البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

و { إلاّ أن يشاء الله } استثناء لا يمكن حمله على ظاهره لأنه يكون داخلاً تحت القول ، فيكون من المقول ولا ينهاه الله أن يقول { إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } لأنه كلام صحيح في نفسه لا يمكن أن ينهى عنه ، فاحتيج في تأويل هذا الظاهر إلى تقدير .

فقال ابن عطية : في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز تقديره إلاّ أن تقول { إلا أن يشاء الله } أو إلاّ أن تقول إن شاء الله ، فالمعنى إلاّ أن تذكر مشيئة الله فليس { إلا أن يشاء الله } من القول الذي نهى عنه .

وقال الزمخشري : { إلاّ أن يشاء الله } متعلق بالنهي لا بقوله { إني فاعل } لأنه لو قال { إني فاعل } كذا { إلاّ أن يشاء الله } كان معناه إلاّ أن تعترض مشيئة الله دون فعله ، وذلك ما لا مدخل فيه للنهي وتعلقه بالنهي على وجهين .

أحدهما : ولا تقولنّ ذلك القول إلاّ أن يشاء الله أن تقوله بأن ذلك فيه .

والثاني : ولا تقولنه إلاّ بأن يشاء الله أي إلاّ بمشيئته وهو في موضع الحال ، أي إلاّ ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله .

وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إلاّ أن يشاء الله في معنى كلمة ثانية كأنه قيل : ولا تقولنه أبداً ونحوه { وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله ربنا } لأن عودهم في ملتهم مما لن يشاء الله ، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قال : «ائتوني غداً أخبركم » .

ولم يستثن انتهى .

قال ابن عطية : وقالت فرقة هو استثناء من قوله { ولا تقولن } وحكاه الطبري ، ورد عليه وهو من الفساد من حيث كان الواجب أن لا يحكى انتهى .

وتقدم تخريج الزمخشري : ذلك على أن يكون متعلقاً بالنهي ، وتكلم المفسرون في هذه الآية في الاستثناء في اليمين ، وليست الآية في الإيمان والظاهر أمره تعالى بذكر الله إذا عرض له نسيان ، ومتعلق النسيان غير متعلق الذكر .

فقيل : التقدير { واذكر ربك } إذا تركت بعض ما أمرك به .

وقيل واذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسيّ ، وقد حمل قتادة ذلك على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها .

وقيل : { واذكر ربك } بالتسبيح والاستغفار { إذا نسيت } كلمة الاستثناء تشديداً في البعث على الاهتمام بها .

وقيل : { واذكر } مشيئة { ربك } إذا فرط منك نسيان لذلك أي { إذا نسيت } كلمة الاستثناء ثم تنبهت لها ، فتداركتها بالذكر قاله ابن جبير .

قال : ولو بعد يوم أو شهر أو سنة .

وقال ابن الأنباري : بعد تقضي النسيان كما تقول : اذكر لعبد الله إذا صلى صاحبك أي إذا قضى الصلاة .

والإشارة بقوله لأقرب من هذا إلى الشيء المنسي أي { اذكر ربك } عند نسيانه بأن تقول { عسى أن يهديني ربي } لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه { رشداً } وأدنى خيراً أو منفعة ، ولعل النسيان كان خيرة كقوله { أو ننسها نأت بخير منها } وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى بناء أهل الكهف ، ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني نبيّ صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشداً من بناء أصحاب الكهف ، وقد فعل ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والأخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك وأدل انتهى .

وهذا تقدمه إليه الزجّاج قال المعنى : { عسى } أن ييسر الله من الأدلة على نبوّتي أقرب من دليل أصحاب الكهف .

وقال ابن الأنباري : { عسى } أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم ويعجل لي من جهته الرشاد .

وقال محمد الكوفي المفسر : هي بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن وإنها كفارة لنسيان الاستثناء .