غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

1

وقوله : { إلا أن يشاء الله } أن تقوله بأن يأذن لك في ذلك الإخبار كان معنى صحيحاً ، ولكنه لا يكون موافقاً لسبب النزول . فالمعنى الموافق هو أن يكون قوله هذا في موضع الحال أي لا تقولنه إلا متلبساً بأن يشاء الله يعني قائلاً إن شاء الله . وهذا نهي تأديب لنبيه صلى الله عليه وسلم لأن الإنسان إذا قال سأفعل الفعل الفلاني غداً لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد أو يعوقه عن ذلك عائق ، فلو لم يقل إن شاء الله صار كاذباً في هذا الوعد والكذب منهي وجوز في الكشاف أن يكون { إن شاء الله } في معنى كلمة تأبيد كأنه قيل : ولا تقولنه أبداً . قال أهل السنة : في صحة الاستثناء بل في وجوبه دلالة على أن إرادة الله تعالى غالبة وإرادة العبد مغلوبة ويؤكده أنه إذا قال المديون القادر على أداء الدين : والله لأقضين هذا الدين غداً ثم قال : إن شاء الله فإذا جاء الغد ولم يقض لم يحنث بالاتفاق ، وما ذاك إلا لأن الله ما شاء ذلك الفعل مع أنه أمره باداء الدين ، وإنما لم يقع الطلاق في قول الرجل لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ، لأن مشيئة الله غير معلومة فيلزم الدور لتوقف العلم بالمشيئة على العلم بوقوع الطلاق وبالعكس . واستدل القائلون بأن المعدوم شيء بقوله : { ولا تقولن لشيء } وذلك أن الشيء الذي سيفعله غداً معدوم مع أنه سماه شيئاً في الحال . وأجيب بأنه مجاز كقوله : { أعصر خمراً } [ يوسف : 36 ] { واذكر ربك } أي مشيئة ربك { إذا نسيت } كلمة الاستثناء . ثم تنبهت لها ، وللعلماء في مدة النسيان إلى الذكر خلاف ، فعن ابن عباس : يستثني ولو بعد سنة ما لم يحنث . وعن سعيد بن جبير : ولو بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة وهو قول ابن عباس بعينه . وعن طاوس : هو استثناء ما دام في مجلسه . وعن عطاء : يستثني على مقدار حلب ناقة غزيرة . وعند عامة الفقهاء لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولاً . قالوا : إن الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعهد والعقد فإذا أتى بالعهد وجب عليه الوفاء بمقتضاه خالفنا هذا الدليل فيما إذا كان الاستثناء متصلاً بناء على أن المستثنى منه مع الاستثناء وأداته كالكلام الواحد ، فإذا كان منفصلاً لم يمكن هذا التوجيه فوجب الرجوع إلى أصل الدليل . وقيل : أراد واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء ، وفيه بعث على الاهتمام بها . وقيل : اذكر إذا اعتراك النسيان في بعض الأمور لتذكر المنسي ، أو اذكره إذا تركت بعض ما أمرك به ليس لهذين القولين شديد ارتباط بما قيل ، وكذا قوله من حمله على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها . واختلفوا في المشار إليه بقوله : { لأقرب من هذا } الظاهر عند صاحب الكشاف أن المراد إذا نسيت شيئاً فاذكر ربك ، وذكر ربك عند نسيانه أن تقول : عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه { رشداً } وأدنى خيراً ومنفعة . وقيل : إن ترك قوله " إن شاء الله " ليس بحسن وذكره أحسن . فقوله " هذا " إشارة إلى الترك وأقرب منه ذكر هذه الكلمة ، وقيل : إنه إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشداً من نبئهم ، وقد فعل ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والأخبار بالمغيبات ما هو أعظم وأدل .

/خ26