المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

14- وأمرنا الإنسان أن يبرّ والديه ويجعل أمه أوفر نصيباً ، حملته فيتزايد ضعفها ويعظم شيئاً فشيئاً ، وفطامه في عامين ، ووصيناه أن اشكر لله ولوالديك ، إليه المرجع للحساب والجزاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

ولما أمر بالقيام بحقه ، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد ، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ }{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ } أي : عهدنا إليه ، وجعلناه وصية عنده ، سنسأله عن القيام بها ، وهل حفظها أم لا ؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له : { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي ، وأداء حقوقي ، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي . { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين ، والكلام اللطيف ، والفعل الجميل ، والتواضع لهما ، [ وإكرامهما ]{[668]}  وإجلالهما ، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه ، بالقول والفعل .

فوصيناه بهذه الوصية ، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي : سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك ، وكلفك بهذه الحقوق ، فيسألك : هل قمت بها ، فيثيبك الثواب الجزيل ؟ أم ضيعتها ، فيعاقبك العقاب الوبيل ؟ .

ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم ، فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } أي : مشقة على مشقة ، فلا تزال تلاقي المشاق ، من حين يكون نطفة ، من الوحم ، والمرض ، والضعف ، والثقل ، وتغير الحال ، ثم وجع الولادة ، ذلك الوجع الشديد .

ثم { فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها ، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد ، مع شدة الحب ، أن يؤكد على ولده ، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه ؟


[668]:- كذا في ب، وزاد في أ قوله تعالى: فخور.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

وقوله - تعالى - : { وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ . . . } كلام مستأنف ، جئ به على سبيل الاعتراض فى أثناء وصية لقمان لابنه ، لبيان سمو منزلة الوالدين ، ولأن القرآن كثيرا ما يقرن بين الأمر بوحدانية الله - تعالى ، والأمر بالإِحسان إلى الوالدين .

ومن ذلك قوله - تعالى : { وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً } وقوله - عز وجل - : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَاناً } أى : أمرنا كل إنسان أن يكون بارا بأبويه ، وأن يحسن إليهما ، وأن يطيع أمرهما فى المعروف .

ثم بين - سبحانه - ما بذلته الأم من جهد يوجب الإِحسان إليهما فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ } أى : حملته أمه فى بطنها وهى تزداد فى كل يوم ضعفا على ضعف ، بسبب زيادة وزنه ، وكبر حجمه ، وتعريضها لألوان من التعب خلال حمله ووضعه .

والوهن : الضعف . يقال : وهو فلان يهن وهنا : إذا ضعف . ولفظ " وهنا " حال من أمه بتقدير مضاف . أى : حملته أمه ذات وهن ، أو مصدر مؤكد لفعل هو الحال . أى : تهن وهنا . وقوله : { على وَهْنٍ } متعلق بمحذوف صفة للمصدر . أى : وهنا كائنا على وهن .

وقوله : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } بيان لمدة إرضاعه . والفصال : الفطام عن الرضاع . أى : وفطام المولود عن الرضاعة يتم بانقضاء عامين من ولادته ، كما قال - تعالى - : { والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة } وهاتان الجملتان { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } جاءتا بعد الوصية بالوالدين عموما ، تأكيدا لحق الأم ، وبيانا لما تبذله من جهد شاق فى سبيل أولادها ، تستحق من أجله كل رعاية وتكريم وإحسان .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فقوله : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } كيف اعترض به بين المفسر والمفسر ؟

قلت : لما وصى بالوالدين : ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق والمتاعب فى حمله وفصاله هذه المدة المتطاولة ، إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكيرا بحقها العظيم مفردا ، ومن ثم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن قال له : من أبر ؟ قال : " أمك ثم أمك ثم أمك ، ثم قال بعد ذلك : " ثم أباك " " .

وقوله - سبحانه - : { أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير } بيان لما تستلزمه الوصية بالوالدين أى : وصينا الإِنسان بوالديه حسنا ، وقلنا له : اشكر لخالقكم فضله عليك ، بأن تخلص له العبادة والطاعة ، واشكر لوالديك ما تحملاه من أجلك من تعب ، بأن تحسن إليهما ، واعلم أن مصيرك إلى خالقك - عز وجل - وسيحاسبك على أعمالك ، وسيجازيك عليها بما تستحقه من ثواب أو عقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

وفي ظل نصيحة الأب لابنه يعرض للعلاقة بين الوالدين والأولاد في أسلوب رقيق ؛ ويصور هذه العلاقة صورة موحية فيها انعطاف ورقة . ومع هذا فإن رابطة العقيدة مقدمة على تلك العلاقة الوثيقة :

( ووصينا الإنسان بوالديه ، حملته أمه وهنا على وهن ، وفصاله في عامين ، أن اشكر لي ولوالديك ، إلي المصير . وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفا ، واتبع سبيل من أناب إلي . ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) . .

وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم ، وفي وصايا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا . ومعظمها في حالة الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة - ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه . فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشىء لضمان امتداد الحياة ، كما يريدها الله ؛ وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال ، في غير تأفف ولا شكوى ؛ بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان ! بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان ! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة ! فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولي الذاهب في أدبار الحياة ، بعدما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة ! وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه ، ولو وقف عمره عليهما . وهذه الصورة الموحية : ( حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين )ترسم ظلال هذا البذل النبيل . والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر ؛ وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق . . روى الحافظ أبو بكر البزار في مسنده - بإسناده - عن بريد عن أبيه أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها ، فسأل النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هل أديت حقها ? قال : " لا . ولا بزفرة واحدة " . هكذا . . ولا بزفرة . . في حمل أو في وضع ، وهي تحمله وهنا على وهن .

وفي ظلال تلك الصورة الحانية يوجه إلى شكر الله المنعم الأول ، وشكر الوالدين المنعمين التاليين ؛ ويرتب الواجبات ، فيجيء شكر الله أولا ويتلوه شكر الوالدين . . ( أن اشكر لي ولوالديك ) . . ويربط بهذه الحقيقة حقيقة الآخرة : ( إلي المصير )حيث ينفع رصيد الشكر المذخور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان ، ووجه الطبري ذلك بأنها من معنى كلام لقمان ومما قصده ، وذلك غير متوجه لأن كون الآيتين في شأن سعد بن أبي وقاص حسب ما أذكره بعد يُضعِّفُ أن تكون مما قالها لقمان ، وإنما الذي يشبه أنه اعتراض أثناء الموعظة وليس ذلك بمفسد للأول منها ولا للآخر ، بل لما فرغ من هاتين الآيتين عاد إلى الموعظة على تقدير إضمار وقال أيضاً لقمان ثم اختصر ذلك لدلالة المتقدم عليه ، وهذه الآية شرك{[9359]} الله تعالى الأم والوالد منها في رتبة الوصية بهما ، ثم خصص الأم بدرجة ذكر الحمل ودرجة ذكر الرضاع{[9360]} فتحصل للأم ثلاث مراتب وللأب واحدة ، وأشبه ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل من أبر ؟ «قال : أمك . قال ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال ثم من ؟ قال ثم أباك »{[9361]} فجعل له الربع من المبرة كالآية . { وهناً على وهن } معناه ضعفاً على ضعف ، وقيل إشارة إلى مشقة الحمل ومشقة الولاد بعده ، وقيل إشارة إلى ضعف الولد وضعف الأم معه ، ويحتمل أن أشار إلى تدرج حالها في زيادة الضعف ، فكأنه لم يعين ضعفين بل كأنه قال حملته أمه والضعف يتزيد بعد الضعف إلى أن ينقضي أمره ، وقرأ عيسى الثقفي «وهَناً على وهَن » بفتح الهاء ، ورويت عن أبي عمرو وهما بمعنى واحد ، وقرأ جمهور الناس «وفصاله » ، وقرأ الحسن وأبو رجاء والجحدري ويعقوب «وفصله » ، وأشار ب «الفصال » إلى تعديد مدة الرضاع فعبر عنه بغايته ، والناس مجموع على العامين{[9362]} في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات ، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعامين{[9363]} لا زيادة ولا نقص ، وقالت فرقة العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع في حكم واحد يحرم ، وقالت فرقة إن فطم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم ، وقوله تعالى : { أن اشكر } يحتمل أن يكون التقدير «بأن اشكر » ، ويحتمل أن تكون مفسرة ، وقال سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى . ومن دعا لوالديه في دبر الصلوات فقد شكرهما ، وقوله تعالى : { إليّ المصير } توعد أثناء الوصية .


[9359]:تأتي (شرك) بمعنى (شارك)، يقال: شركته البيع والميراث أشركه شركة، فهو يريد أن الله تعالى جعل لكل من الأم والأب نصيبا في الوصية بهما.
[9360]:في بعض النسخ: "ثم خصص الأم بذكر درجة الحمل، وبذكر الرضاع".
[9361]:أخرجه البخاري، وأبو داود، وابن ماجه في الأدب، وأخرجه مسلم في البر، والإمام أحمد في مسنده (5-3،5). المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي).
[9362]:زيادة من القرطبي الذي نقل هذه الفقرة من كلام ابن عطية كاملة.
[9363]:في القرطبي: بالعام لا زيادة ولا نقص.