فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

{ وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه } هذه التوصية بالوالدين وما بعدها إلى قوله : { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } اعتراض بين كلام لقمان لقصد التأكيد لما فيها من النهي عن الشرك بالله ، وتفسير التوصية هي قوله : { أَنِ اشكر لِي ولوالديك } ، وما بينهما اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر ، وفي جعل الشكر لهما مقترناً بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد ، وأكبرها وأشدّها وجوباً ، ومعنى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ } أنها حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف ، وقيل المعنى : إن المرأة ضعيفة الخلقة ، ثم يضعفها الحمل . وانتصاب { وهناً } على المصدر . وقال النحاس : على أنه مفعول ثان بإسقاط الحرف ، أي حملته بضعف على ضعف ، وقال الزجاج المعنى : لزمها بحملها إياه أن تضعف ، مرّة بعد مرة . وقيل : انتصابه على الحال من { أمه } ، و{ على وهن } صفة ل { وهناً } أي : وهناً كائناً على وهن . قرأ الجمهور بسكون الهاء في الموضعين . وقرأ عيسى الثقفي وهي رواية عن أبي عمرو بفتحهما وهما لغتان . قال قعنب :

هل للعواذل من ناه فيزجرها *** إن العواذل فيها الأين والوهن

{ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } الفصال : الفطام ، وهو أن يفصل الولد عن الأم ، وهو مبتدأ وخبره الظرف . وقرأ الجحدري ، وقتادة وأبو رجاء ، والحسن ويعقوب : " وفصله " وهما لغتان ، يقال : انفصل عن كذا ، أي تميز ، وبه سمي الفصيل . وقد قدّمنا أن أمة في قوله : { أَنِ اشكر لِي ولوالديك } هي المفسرة . وقال الزجاج : هي مصدرية . والمعنى : بأن اشكر لي . قال النحاس : وأجود منه أن تكون { أن } مفسرة ، وجملة : { إِلَيَّ المصير } تعليل لوجوب امتثال الأمر ، أي الرجوع إليّ لا إلى غيري .

/خ19