البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

{ ووصينا الإنسان بوالديه } : لما بين لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه ، كان ذلك حثاً على طاعة الله ، ثم بين أن الطاعة تكون للأبوين ، وبين السبب في ذلك ، فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه ، أخبر الله عنه بذلك .

وقيل : هو من كلام الله ، قاله للقمان ، أي قلنا له اشكر .

وقلنا له : { ووصينا } .

وقيل : هذه الآية اعتراض بيّن أثناء وصيته للقمان ، وفيها تشديد وتوكيد لاتباع الولد والده ، وامتثال أمره في طاعة الله تعالى .

وقال القرطبي : والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص ، وعليه جماعة من المفسرين .

ولما خص الأم بالمشقات من الحمل والنفاس والرضاع والتربية ، نبه على السبب الموجب للإيصاء ، ولذلك جاء في الحديث الأمر ببرّ الأم ثلاث مرات ، ثم ذكر الأب ، فجعل له مرة الربع من المبرة .

{ وهناً على وهن } ، قال ابن عباس : شدة بعد شدة ، وخلقاً بعد خلق .

وقال الضحاك : ضعفاً بعد ضعف .

وقال قتادة : جهداً على جهد ، يعني : ضعف الحمل ، وضعف الطلق ، وضعف النفاس ، وانتصب على هذه الأقوال على الحال .

وقيل : { وهناً على وهن } : نطفة ثم علقة ، إلى آخر النشأة ، فعلى هذا يكون حالاً من الضمير المنصوب في حملته ، وهو الولد .

وقرأ عيسى الثقفي ، وأبو عمرو في رواية : وهناً على وهن ، بفتح الهاء فيهما ، فاحتمل أن يكون كالشعر والشعر ، واحتمل أن يكون مصدر وهن بكسر الهاء يوهن وهناً ، بفتحها في المصدر قياساً .

وقرأ الجمهور : بسكون الهاء فيهما .

وقرأوا : { وفصاله } .

وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والجحدري ، ويعقوب : وفصله ، ومعناه الفطام ، أي في تمام عامين ، عبر عنه بنهايته ، وأجمعوا على اعتبار العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات ، وأما في تحريم اللبن في الرضاع فخلاف مذكور في الفقه .

و { أن اشكر } في موضع نصب ، على قول الزجاج .

وقال النحاس : الأجود أن تكون مفسرة .

{ لي } : أي على نعمة الإيمان .

{ ولوالديك } : على نعمة التربية { إليّ المصير } : توعد أثناء الوصية .