اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} (14)

قوله : { وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ } لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبٌ منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله ( في بعض{[42423]} الصور ) كخدمة الأبوين ثم بين السبب فقال : «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ » يعني لله على العبد نعمة الابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق أي صارت بقدرة الله سبب وجوده فإنها حملته وبرضاعه حصل التربية والبقاء .

قوله : { وَهْناً على وَهْنٍ } يجوز أن ينتصب{[42424]} على الحال من ( أُمُّهُ{[42425]} ) أي ضَعْفاً على ضعف . وقال ابن عباس : شدة على شدة{[42426]} ، وقال مجاهد : مشقة بعد مشقة{[42427]} وقال الزجاج : المرأة إذا حَمَلَتْ{[42428]} توَالَى عليها الضعف والمشقة ، وقيل : الحمل ضعف والوضع ضعف ، وقيل : منصوب على إسقاط{[42429]} الخافض أي في وهنٍ . قال أبو البقاء{[42430]} : «وعلى وهن » صفة له «لوَهْناً » . وقرأ الثَّقَفِي{[42431]} وأبو عمرٍو - في رواية - وَهَناً على وَهَنٍ - بفتح الهاء فيهما{[42432]} - فاحتمل أن تكونا لغتين كالشَّعْرِ والشَّعَرِ ، واحتمل أن يكون المفتوح مصدر «وَهِنَ » بالكسر يَوهَنُ وَهناً .

قوله : «وفصاله » قرأ الجَحْدِرِيُّ وقتادةُ وأبُو رَجَاء{[42433]} والحسنُ «وفَصْلُهُ » دون ألف{[42434]} - أي وفِطامُهُ في عامين .

فإن قيل : وصى الله بالوالدين ، وذكر السبب في حق الأم مع أن الأب وجد منه الحشر من الأم لأنه حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ .

فالجواب : أن المشقة الحاصلة للأم أعظم فإن{[42435]} الأبَ حمله خلفة لكونه من جملةِ جَسَدِهِ ، والأم حملته ثقلاً آدميّاً مودع فيها وبعد وضعه وتربيته ليلاً ونهاراً وبينهما ما لا يخفى من المشقة .

قوله : «أَنْ اشْكُرْ » في «أن » وجهان :

أحدهما : أنها مفسرة{[42436]} .

والثاني : أنها مصدرية في محل نصب ب «وصّينا » قاله الزجاج{[42437]} ، لما كان الوالدان سببَ وجود الولد والموجد في الحقيقة للولد والوالدين هو الله أمر بأن يشكر قبلهما . ثم بين الفرق بين «إِلَيَّ المَصِيرُ » أي المرجع ، قال سفيان بن عيينة{[42438]} في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين في أَدْبَار الصَّلَوَاتِ الخَمْس فقد شكر الوالدين .


[42423]:ساقط من "ب".
[42424]:في "ب" ينصب.
[42425]:ذكره القرطبي عن الإمام القشيري رضي الله عنه. انظر: القرطبي 14/64.
[42426]:انظر: تفسير ابن كثير 3/445.
[42427]:السابق.
[42428]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/196.
[42429]:ذكره أبو جعفر النحاس في كتابه "إعراب القرآن" انظره: 3/285 قال: "فما علمت أن أحداً من النحويين ذكره فيكون مفعولاً ثانياً على حذف الجر أي حملته بضعف على ضعف".
[42430]:نقله في التبيان أيضاً 1044.
[42431]:المراد به عيسى بن عمر الثقفي وقد مر الترجمة له.
[42432]:هذه قراءة شاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر 117 و 116 والمحتسب 2/167 وانظر القرطبي 14/64 وزاد المسير 6/319 والبحر 7/187 والكشاف 3/232.
[42433]:أبو رجاء عمران بن تيم العطاردي البصري التابعي الكبير كان مخضرماً، أسلم في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وعرض القرآن على ابن عباس وتلقن من أبي موسى روى عنه أبو الأشهب العطاردي مات سنة 105 هـ انظر: طبقات القراء 1/604.
[42434]:الإتحاف 359 والكشاف 3/232 والبحر 7/187 ومختصر ابن خالويه 117 والمحتسب 2/167.
[42435]:في "ب" "لأن".
[42436]:وقد تقدم أنها قول كثير من العلماء كالنحاس والفخر الرازي.
[42437]:ذكره في معاني القرآن وإعرابه 4/196.
[42438]:انظر القرطبي 14/65.