ثم بين - سبحانه - أن المساجد التى تقام فيها الصلاة والعبادات ، يجب أن تنسب إلى الله - تعالى - وحده ، فقالك { وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً } .
والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن } والمساجد : جمع مسجد ، وهو المكان المعد لإقامة الصلاة والعبادة فيه . واللام فى قوله { لله } للاستحقاق .
أى : وأوحى إلىَّ - أيضا - أن المساجد التى هى أماكن الصلاة والعبادة لا تكون إلا الله - تعالى - وحده ، ولا يجوز أن تنسب إلى صنم من الأصنام ، أو طاغوت من الطواغيت .
قال الإِمام ابن كثير : قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كناسئهم وبيعهم ، أشركو بالله ، فأمر الله نبيه والمؤمنين ، أن يوحدوه وحده .
وقال سعيد بن جبير : نزلت فى أعضاء السجود : أى : هى لله فلا تسجدوا بها لغيره . . وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أسجد على سبعه أعظم : على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين .
ويبدو لنا أن المراد بالمساجد هنا الأماكن المعدة للصلاة والعبادة ، لأن هذا هو المتبادر من معنى الآية ، وأن المقصود بها توبيخ المشركين الذين وضعوا الأنصاب والأصنام ، فى المسجد الحرام وأشركوها فى العبادة مع الله - تعالى - .
وأضاف - سبحانه - المساجد إليه ، على سبيل التشريف والتكريم وقد تضاف إلى غيره - تعالى - على سبيل التعريف فحسب ، وفى الحديث الشريف : " الصلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فى غيره ، إلا المسجد الحرام " .
والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام الله ابتداء :
( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) . .
وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا لله ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار . وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة لله . ودعاء غير الله قد يكون بعبادة غيره ؛ وقد يكون بالالتجاء إلى سواه ؛ وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير الله .
فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : ( ولن نشرك بربنا أحدا )في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود . وإن كانت من قول الله ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن .
ومن فتح الألف من { أن المساجد لله } جعلها عطفاً على قوله { قل أوحي إلي أنه } [ الجن : 1 ] ، ذكره سيبويه ، و { المساجد } قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة .
وقال الحسن : أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن ، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة . وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم : المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء : { المساجد } : الآراب{[11376]} التي يسجد عليها ، واحدها مسجد بفتح الجيم ، وقال سعيد بن جبير : نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله : كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك : فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة .
وقال الخليل بن أحمد : معنى الآية ، ولأن { المساجد لله فلا تدعوا } أي لهذا السبب ، وكذلك عنده { لإيلاف قريش } [ قريش : 1 ] { فليعبدوا }{[11377]} [ قريش : 3 ] وكذلك عنده { وأن هذه أمتكم أمة واحدة{[11378]} } [ الأنبياء : 92 ، المؤمنون : 52 ] . و { المساجد } المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم ، وكل ما هو خالص لله تعالى ، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا . ولا يتخذ طريقاً ، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب ، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة ، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.