المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

85- وها أنتم أولاء يقتل بعضكم بعضا ، ويخرج فريق منكم فريقاً آخر من ديارهم متعاونين في ذلك عليهم مع غيركم بالإثم والعدوان ، ثم إن وقع فريق منكم أسرى لدى من تتعاونون معهم تعملون على إنقاذهم من الأسر بافتدائهم ، وإن سئلتم عما حملكم على افتدائهم قلتم : لأن أسفارنا أمرتنا أن نفدي أسرانا من اليهود ، أو لم تأمركم أسفاركم كذلك ألا تسفكوا دماء إخوانكم ، وألا تخرجوهم من ديارهم ؟ ، أفتذعنون لبعض ما جاء في الكتاب وتكفرون ببعض ؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردهم الله - المطلع على أعمالهم وسرائرهم - إلى أشد العذاب{[4]} .


[4]:كان بالمدينة قبل الإسلام قبيلتان عربيتان متعاديتان هما: الأوس والخزرج، وطائفتان من اليهود هما: بنو قريظة وبنو النضير، وكان بنو قريظة حلفاء للأوس وكان بنو النضير حلفاء للخزرج، وكان إذا اقتتلت القبيلتان العربيتان انضم إلى كل قبيلة حلفاؤها من اليهود، واشتركوا معها في قتال القبيلة الأخرى وقتال من انضم إليها من أخوانهم في الدين، ولم يدخروا جهدا في سفك دمائهم والعمل على إخراجهم من ديارهم، ولكن كلا من الطائفتين من اليهود كانت تعمل على افتداء من كان يقع في أيدي حليفتها من أسرى الطائفة الأخرى فإذا سئلوا: كيف تفدونهم وقد كانوا يقاتلون مع أعدائكم؟ قالوا: لأن الله أمرنا في التوراة أن نفدي أسرى اليهود، ويتجاهلون أن الله أمرهم كذلك في التوراة ألا يسفك بعضهم دماء بعض، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }

وهذا الفعل المذكور في هذه الآية ، فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة ، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين ، وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية ، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود ، بنو قريظة ، وبنو النضير ، وبنو قينقاع ، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة .

فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم{[92]} الفرقة الأخرى من اليهود ، فيقتل اليهودي اليهودي ، ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها ، وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا .

والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم ، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض ، ولا يخرج بعضهم بعضا ، وإذا وجدوا أسيرا منهم ، وجب عليهم فداؤه ، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين ، فأنكر الله عليهم ذلك فقال : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ } وهو فداء الأسير { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } وهو القتل والإخراج .

وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي ، وأن المأمورات من الإيمان ، قال تعالى : { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وقد وقع ذلك فأخزاهم الله ، وسلط رسوله عليهم ، فقتل من قتل ، وسبى من سبى منهم ، وأجلى من أجلى .

{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } أي : أعظمه { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }


[92]:- كذا في ب، وفي أ: يعينونهم.

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

لقد بين القرآن الكريم بعد ذلك بأنهم نقضوا عهودهم ، وارتكبوا ما نهوا عن ارتكابه ، فقال تعالى : { ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ . . . } أي : ثم أنتم - يا معشر اليهود - بعد اعترافكم بالميثاق ، والتزامكم به ، نقضتم عهودكم ، وارتكبتم في حق إخوانكم ما نهيتم عنه ، من القتل والإِخراج ، وفعلتم ما لا يليق بالعقلاء ، ومن يحترم المواثيق .

ولما كان قتل بعضهم لبعض ، وإخراجهم من أماكنهم يحتاج إلى قوة وغلبة ، بين - سبحانه - أنهم يرتكبون ذلك وهم متعاونون عليه بالشرور ومجازوة الحدود ، فقال تعالى : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم وَالْعُدْوَانِ } تظاهرون : من التظاهر وهو التعاون ، وأصله من الظهر ، كأن المتعاونين يسند كل واحد منهم ظهره إلى الآخر . والمعنى : تتعاونون على قتل إخوانكم وإخراجهم من ديارهم مع من ليسوا من أقاربكم وليسوا من دينكم ، وأنتم مرتكبون ذلك الإِثم والعدوان .

وقوله تعالى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } بيان لتناقضهم وتفريقهم لأحكام الله تعالى .

وأُسارى - جمع أسير بمعنى مأسور ، وهو من يؤخذ على سبيل القهر فيشد بالإِسار وهو القد - بكسر القاف - ، والقد : سير يقلد من جلد غير مدبوغ . وتفادوهم : تنقذوهم من الأسر بالفداء ، يقال : فاداه وفداه : أعطى فداءه فأنقذه .

أي : أنتم - يا معشر اليهود - إن وجدتم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم أسرى تسعون في فكاكهم ، وتبذلون عرضاً لإِطلاقهم ، والشأن أن قتلهم وإخراجهم محرم عليكم كتركهم أسرى في أيدي أعدائكم ، فلماذا لم تتبعوا حكم التوراة في النهي عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم ؟

وصدرت الجملة الكريمة " وهو محرم عليكم إخراجهم " بضمير الشأن للاهتمام بها .

والعناية بشأنها ، وإظهاهر أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم ، وليس خافياً عليهم .

وقوله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } توبيخ وتقريع لهم على تفريقهم بين أحكام الله .

والمعنى : أفتتبعون أحكام كتابكم في فداء الأسرى ، ولا تتبعونها في نهيكم عن قتال إخوانكم وإخراجهم من ديارهم ؟ فالاستفهام للإِنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه - تعالى - بالإِيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر .

وبعض الكتاب الذي آمنوا به هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في الأيدي عدوهم ، وبعضه الذي كفروا به ما حرم عليهم من القتل والإِخراج من الديار ، فالإِنكار منصب على جمعهم بين الكفر والإِيمان .

قال فضيلة المرحوم الشيخ محمد الخضر حسين : " وإنما سمى - سبحانه - عصيانهم بالقتل والإِخراج من الديار كفراً ؛ لأن من عصى أمر الله - تعالى - بحكم عملي معتقداً أن الحكمة والصلاح فيما فعله ، بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج ، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب . فقد خرج بهذه الحالة النفسية عن سبيل المؤمنين ، وفي الآية الكريمة دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع ويكفر ببعضه ، يدخل في زمرة الكافرين لأن الإِيمان كل لا يتجزأ " .

ثم بين - سبحانه - العقاب الدنيوي والأخرى الذي استحقه أولئك المفرقون لأحكمه فقال تعالى : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .

اسم الإِشارة ( ذلك ) مشار به إلى القتل والإِخراج من الديار ، اللذين نقضوا بهما عهد الله بغياً وكفراً والخزي في الدنيا هو الهوان والمقت والعقوبة ومن مظاهره : ما لحق اليهود بعد تلك الحروب من المذلة بإجلاء بني فينقاع والنضير عن ديارهم ، وقتل بني قريظة وفتح خيبر ، وما لحقهم بعد ذلك من هوان وصغار ، وتلك سنة الله في كل أمة لا تتمسك بدينها ولا تربط شئونها بأحكام شريعتها وآدابها .

ولما كان البعض قد يتوهم أن خزيهم في الدنيا قد يكون سبباً في تخفيف العذاب عنهم في الأخرى ، نفى - سبحانه - هذا التوهم ، وبين أنهم يوم القيامة سيصيرون إلى ما هو أشد منه .

لأن الله - تعالى - ليس ساهياً عن أعمالهم حتى يترك مجازاتهم عليها .

فالمراد من نفي الغفلة نفي ما يتسبب عنها من ترك المجازاة لهم على شرورهم .

وفي ذلك دليل على أن الله - تعالى - يعاقب الحائدين عن طريقه المستقيم ، بعقوبات في الدنيا ، وفي الآخرة ، جزاء طغيانهم ، وإصرارهم على السيئات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

75

فماذا كان بعد الإقرار وهم شاهدون حاضرون ؟

( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان . وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ، وهو محرم عليكم إخراجهم . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .

ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الإسلام على الأوس والخزرج . كان الأوس والخزرج مشركين ، وكان الحيان أشد ما يكون حيان من العرب عداء . وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود مع هذا الحي وذاك من المشركين . . كان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج ، وكان ينو قريظة حلفاء الأوس . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه ؛ فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى ، وفكوا أسر المأسورين من اليهود هنا أو هناك ، عندهم أو عند حلفائهم أو أعداء حلفائهم على السواء - وذلك عملا بحكم التوراة وقد جاء فيها : إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته . .

هذا التناقض هو الذي يواجههم به القرآن ؛ وهو يسألهم في استنكار :

( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .

وهذا هو نقض الميثاق الذي يتهددهم عليه بالخزي في الحياة الدنيا ، والعذاب الأشد في الآخرة . مع التهديد الخفي بأن الله ليس غافلا عنه ولا متجاوزا :

( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب . وما الله بغافل عما تعملون ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

{ ثم أنتم هؤلاء } استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق والإقرار به والشهادة عليه . وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره على معنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقصون ، كقولك أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا ، نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات ، وعدهم باعتبار ما أسند إليهم حضورا وباعتبار ما سيحكي عنهم غيبا . وقوله تعالى : { تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } إما حال والعامل فيها معنى الإشارة ، أو بيان لهذه الجملة . وقيل : هؤلاء تأكيد ، والخبر هو الجملة . وقيل بمعنى الذين والجملة صلته والمجموع هو الخبر ، وقرئ { تقتلون } على التكثير . { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } حال من فاعل تخرجون ، أو من مفعوله ، أو كليهما . والتظاهر التعاون من الظهر . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بحذف إحدى التاءين وقرئ بإظهارها ، وتظهرون بمعنى تتظهرون { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } روي أن قريظة كانوا حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، فإذا اقتتلا عاون كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإجلاء أهلها ، وإذا أسر أحد من الفريقين جمعوا كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإجلاء أهلها ، وإذا أسر أحد من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه . وقيل معناه إن يأتوكم أسارى في أيدي الشياطين تتصدوا لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ مع تضييعكم أنفسكم كقوله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } . وقرأ حمزة { أسرى } وهو جمع أسير كجريح وجرحى ، وأسارى جمعه كسكرى وسكارى . وقيل هو أيضا جمع أسير ، وكأنه شبه بالكسلان وجمع جمعه . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وابن عامر " تفدوهم " { وهو محرم عليكم إخراجهم } متعلق بقوله { وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } ، وما بينهما اعتراض ، والضمير للشأن ، أو مبهم ويفسره إخراجهم ، أو راجع إلى ما دل عليه تخرجون من المصدر ، وإخراجهم بدل أو بيان { أفتؤمنون ببعض الكتاب } يعني الفداء .

{ وتكفرون ببعض } يعني حرمة المقاتلة والإجلاء . { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } كقتل قريظة وسبيهم . وإجلاء بني النضير ، وضرب الجزية على غيرهم . وأصل الخزي ذل يستحيا منه ، ولذلك يستعمل في كل منهما . { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } لأن عصيانهم أشد . { وما الله بغافل عما تعملون } تأكيد للوعيد ، أي الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لا يغفل عن أفعالهم . وقرأ عاصم في رواية المفضل ، " تردون " على الخطاب لقوله { منكم } . وابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ، وخلف ويعقوب " يعملون " على أن الضمير لمن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }( 85 )

{ هؤلاء } دالة على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل رداً إلى الأسلاف ، قيل : ( {[887]} ) تقدير الكلام يا هؤلاء ، فحذف حرف النداء ، ولا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات ، لا تقول هذا أقبل ، وقيل تقديره أعني هؤلاء ، وقيل { هؤلاء } بمعنى الذين ، فالتقدير ثم أنتم الذين تقتلون ، ف { تقتلون } صلة { لهؤلاء } ، ونحوه قال يزيد بن مفرغ الحميري .

عدسْ ما لعبّاد عليك إمارة . . . نجوت وهذا تحملين طليق( {[888]} )

وقال الأستاذ الأجل أبو الحسن( {[889]} ) بن أحمد شيخنا رضي الله عنه : { هؤلاء } رفع بالابتداء و { أنتم } خبر مقدم ، و { تقتلون } حال ، بها تم المعنى ، وهي كانت المقصود فهي غير مستغنى عنها ، وإنما جاءت بعد أن تم الكلام في المسند والمسند إليه ، كما تقول هذا زيد منطلقاً ، وأنت قد قصدت الإخبار بالنطلاقه لا الإخبار بأن هذا هو زيد .

وهذه الآية خطاب لقريظة والنضير وبني قينقاع ، وذلك أن النضير وقريظة حالفت الأوس ، وبني قينقاع حالفت الخزرج ، فكانوا إذا وقعت الحرب بين بني قيلة( {[890]} ) ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها فقتل بعضهم بعضاً وأخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ، وكانوا مع ذلك يفدي بعضهم أسرى بعض اتباعاً لحكم التوراة وهم قد خالفوها بالقتال والإخراج ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تُقتِّلون » بضم التاء الأولى وكسر الثانية وشدّها على المبالغة ، والديار مباني الإقامة ، وقال الخليل : محلة القوم دارهم ، وقرأ حمزة وعاصم والسكائي «تظاهرون » بتخفيف الظاء وهذا على حذف التاء الثانية من تتظاهرون ، وقرأ بقية السبعة «تظَّاهرون » بشد الظاء على إدغام التاء في الظاء ، وقرأ أبو حيوة «تُظهِرون » بضم التاء وكسر الهاء ، وقرأ مجاهد وقتادة «تَظَّهَرَّون » بفتح التاء وشد الظاء والهاء مفتوحة دون ألف ، ورويت هذه عن أبي عمرو ، ومعنى ذلك( {[891]} ) على كل قراءة تتعاونون ، وهو مأخوذ من الظهر ، كأن المتظاهريْن يسند كل واحد منهما ظهره إلى صاحبه ، والإثم العهد الراتبة على العبد من المعاصي( {[892]} ) ، والمعنى بمكتسبات الإثم ، { والعدوان } تجاوز الحدود والظلم ، وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج( {[893]} ) ، وقرأ حمزة «أسرى تفدوهم » ، وقرأ نافع وعاصم والكسائي «أسارى تفادوهم » ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير «أسارى تفدوهم » ، وقرأ قوم «أسرى تفادوهم » . و { أسارى } جمع أسير ، والأسير مأخوذ من الأسر وهو الشد ، سمي بذلك لأنه يؤسر أي يشد وثاقاً ، ثم كثر استعماله حتى لزم وإن لم يكن ثم ربط ولا شد ، وأسير فعيل بمعنى مفعول ، ولا يجمع بواو ونون وإنما يكسر على أسرى وأسارى ، والأقيس فيه أسرى ، لأن فعيلاً بمعنى مفعول الأصل فيه أن يجمع على فعلى ، كقتلى وجرحى ، والأصل في فعلان أن يجمع على «فَعالى » بفتح الفاء و «فُعالى » بضمها كسكران وكسلان وسُكَارى وكُسَالى ، قال سيبويه : فقالوا في جمع كسلان كسْلى ، شبّهوه بأسرى كما قالوا { أسارى } شبهوه بكسالى ، ووجه الشبه أن الأسر يدخل على المرء مكرهاً كما يدخل الكسل ، وفعالى إنما يجيء فيما كان آفة تدخل على المرء .

و { تفَادوهم } معناه في اللغة تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئاً ، قاله أبو علي ، قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفاديت نفسي إذا أطلقتها بعد أن دفعت شيئاً ، فعلى هذا قد تجيء بمعنى فديت أي دفعت فيه من مال نفسي ، ومنه قول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم : أعطني فإني فاديت نفسي ، وفاديت عقيلاً ، وهما فعلان يتعديان إلى مفعولين الثاني منهما بحرف جر ، تقول : فديت زيداً بمال وفاديته بمال ، وقال قوم : هي في قراءة تفادوهم مفاعلة في أسرى بأسرى( {[894]} ) ، قال أبو علي : كل واحد من الفريقين فعل ، الأسر دفع الأسير ، والمأسور منه دفع أيضاً إما أسيراً وإما غيره ، والمفعول الثاني محذوف .

وقوله تعالى : { وهو محرم }( {[895]} ) قيل في { هو } إنه ضمير الأمر ، تقديره والأمر محرم عليكم ، و { إخراجهم } في هذا القول بدل من

هو } ، وقيل { هو } فاصلة ، وهذا مذهب الكوفيين ، وليست هنا بالتي هي عماد ، و { محرم } على هذا ابتداء ، و { إخراجهم } خبره ، وقيل هو الضمير المقدر في { محرم } قدم وأظهر ، وقيل هو ضمير الإخراج تقديره وإخراجهم محرم عليكم . ( {[896]} )

وقوله تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب }( {[897]} ) يعني التوراة ، والذي آمنوا به فداء الأسارى ، والذي كفروا به قتل بعضهم بعضاً وإخراجهم من ديارهم ، وهذا توبيخ لهم ، وبيان لقبح فعلهم .

وروي أن عبد الله بن سلام( {[898]} ) مرّ على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم تقع عليه العرب ولا يفادي من وقع عليه ، فقال له ابن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن .

ثم توعدهم عز وجل : والخزي : الفضيحة والعقوبة ، يقال : خزي الرجل يخرى خزياً إذا ذل من الفضحية ، وخزي يخزى خزاية إذا ذل واستحيا( {[899]} ) . . .

واختلف ما المراد بالخزي ها هنا فقيل : القصاص فيمن قتل ، وقيل ضرب الجزية عليهم غابر الدهر ، وقيل قتل قريظة ، وإجلاء النضير( {[900]} ) ، وقيل : الخزي الذي توعد به الأمة وهو غلبة العدو . والدنيا مأخوذة من دنا يدنو ، وأصل الياء فيها واو ولكن أبدلت فرقاً بين الأسماء والصفات( {[901]} ) .

وأشد العذاب الخلود في جهنم ، وقرأ الحسن وابن هرمز «تردون » بتاء .

وقوله تعالى : { وما الله بغافل } الآية ، فرأ نافع وابن كثير «يعملون » بياء على ذكر الغائب( {[902]} ) فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والآية واعظة لهم بالمعنى( {[903]} ) إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص( {[904]} ) ، وقرأ الباقون بتاء على الخطاب المحتمل أن يكون في سرد الآية( {[905]} ) وهو الأظهر ، ويحتمل أن يكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إن بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد( {[906]} ) ، يريد : وبما يجري مجراه .


[887]:- فيه أربعة أقوال، قيل إنه منادى على حذف النداء، وقيل: إنه منصوب بفعل محذوف وقيل: أنه بمعنى الذين، وقيل: إن أنتم خبر مقدم، وهؤلاء مبتدأ، وتقتلون حال ثم بها المعنى، وأضعف هذه الأقوال الأول، ومن جعله مبتدأ وأنتم خبر فتقتلون هي محط البيان لأن معنى أنتم هؤلاء- أنهم على حالة أسلافهم من نقض الميثاق- ومن جعل هؤلاء منادى أو منصوبا فتقتلون خبر.
[888]:- البيت من شواهد النحو المشهورة، وعَدَس: اسم صوت لزجر البغل، وعبّاد: هو ابن زيّان بن أبي سفيان، وإمارة بكسر الهمزة معناها: أمر- وهذا: اسم موصول بمعنى الذي (على رأي الكوفيين) وهو الشاهد هنا، ويقع مبتدأ خبره طليق، أما صلة الموصول فهي (تحملين) والعائد محذوف، وتقديره: (تحملينه) ويكون تقدير الكلام: (والذي تحملينه طليق) أي مطلق. يقول الشاعر هذا الكلام لبعلته حين ركبها بعد خروجه من السجن فنفرت.
[889]:- انظر ترجمته في تفسير أبي حيان في هذا المكان- ولما نقل أبو حيان رحمه الله ما ذكره ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البادش من جَعْل هؤلاء مبتدأ وأنتم خبرا قال: "لا أدري ما العلة في ذلك، وفي عدوله عن جعل أنتم مبتدأ وهؤلاء خبرا إلى عكسه" انتهى. قال مختصِره سيدي عبد الرحمن التعالبي رحمه الله: قلت: العلة في ذلك دخول هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام، ويدل على ذلك قولهم: ها أنا ذا قائما، ولم يقولوا: أنا هاذا قائما، قال معناه ابن هشام، فقائما في المثال المتقدم نصب على الحال. انتهى.
[890]:- قيلة: اسم أم لقبيلتي الأوس والخزرج-اسمها قيلة بنت كاهل.
[891]:- يعني أن هذه القراءات وهي: ظاهر، وتظاهر، وأظْهر- ترجع إلى معنى التعاون، وهو المراد في الآية الكريمة.
[892]:- يعني ما ترتب على العبد من عهد المعاصي. والعُهَدُ: جمع عُهْدَة.
[893]:- فيكون المعنى: أنه لا يُناسب من أسأتم إليهم بالإخراج من ديارهم أن تُحسنوا إليهم بالمفاداة. تنبيه: قال بعض شيوخنا رحمهم الله تعالى: -هل الفادي والمفدي في موضوع الآية- كانا من جهة واحدة؟ بمعنى أن قريظة كانت تفدي من أسرته الخزرج من إخوانهم كما أن النضير كانت تفدي من أسرته الأوس من إخوانهم- أو من جهتين بمعنى أن قريظة كانت تفدي من يد حلفائها الأوس من أسروه من بني النضير كما أن بني النضير كانت تفدي من خلفائها الخزرج من أسروه من بني قريظة- أو ما هو أعم. فروح البيان على ألأول هو المأخوذ من صدر كلام ابن جرير الطبري رحمه الله حين تكلم على قوله تعالى: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون) الآية- والصاوي في حاشية الجلالين على الثاني، ولم نره صريحا في كلام غيره لكن يشهد له ظاهر الآية- وظاهر ما نقلوه من قول العرب لليهود على جهة التعيير لهم: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ انظر عباراته في ابن جرير- وكلام السدي بحسب ظاهره على الثالث- راجع الكشاف والبحر المحيط.
[894]:- أي في مبادلة الأسير بالأسير، والمراد أن المفاداة هي في مبادلة الأسرى فتدفع أسيرا وتأخذ أسيرا، والفداء أن تأخذ مالا في مقابلة الأسير.
[895]:- الجملة حال من الضمير في (تخرجون) أو من فريقا أو منهما- وتخصيص بيان التحريم ها هنا بالإخراج، مع كونه قرينا للقتل عند أخذ الميثاق عليهم- لما يظن من التساهل في أمر الإخراج بسبب قلة خطره بالنسبة إلى القتل: إنما خصه بالذكر لما فيه من معرة الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره.
[896]:- حاصل ما ذكره أقوال أربعة، وكلها انتقدت عليه، وإذا أردت الوقوف على وجوه الانتقاد فعليك بتفسير أبي (ح) فإنه يتتبع أنفاس "ابن عطية" ولا سيما في النواحي الإعرابية. وفي كلام ابن عطية ما يشم منه رائحة الفرق بين الفصل والعماد، وانظر التعليق عند قوله تعالى: (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر).
[897]:- قال المفسرون: أخذ الله تعالى على بني إسرائيل أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به، إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)؟
[898]:- هو عبد الله بن سلام (بالتخفيف) بن الحارث الإسرائيلي، أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل في ه قوله تعالى: (ومن عنده علم الكتاب) وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس والجابية، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين للهجرة.
[899]:- كل من خزي يخزى خزيا، وخزي يخزى من باب تعب، والفرق بينهما هو المصدر، فالخزي معناه الفضيحة، والخزاية معناها الاستحياء.
[900]:- وفي بعض النسخ زيادة (وقيل: الخزي الذي تتوعد به الأمة من الناس هو غلبة العدو).
[901]:- يعني أنها بذلك انسلخت عن الوصفية فهي عَلَم على كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة. قال في القاموس: "والدنيا نقيض الآخرة، وقد تنون، وجمعها دُنى" اهـ واستدلوا للتنوين بقول الشاعر: إني مقسِّم ما ملكت فجاعل جزءا لآخرتي ودنيا تنفع فإن ابن الأعرابي أنشده، منونا وليس بضرورة كما لا يخفى.
[902]:- في تفسير الإمام (ط) رحمه الله: وأعجب القراءتين إلى قراءة من قرأ بالياء إتباعا لقوله (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) ولقوله (ويوم القيامة يردون) لأن قوله (وما الله بغافل عما يعملون) إلى ذلك أقرب منه إلى قوله (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فإتباعه الأقرب إليه أولى من إلحاقه بالأبعد منه". اهـ.
[903]:- بل هي أشد و اعظ وأقواه، ونحوها قوله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) والظلم إما ظلم العصيان، وإما ظلم الكفران.
[904]:- إذا كان عالما بأعمالهم كما تؤكد ذلك الآية- وهو الحق الذي لاشك فيه، فهو بالمرصاد لمجازاتهم.
[905]:- أي في سياقها، وسياق الآية أن الخطاب لبني إسرائيل.
[906]:- في بعض النسخ: (تعنون بهذا يا أمة محمد) يريد وبما يجري مجراه.