{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي : من نومهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا } أي : لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } الآية ، وفي العلم بمقدار لبثهم ، ضبط للحساب ، ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته ، فلو استمروا على نومهم ، لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم .
ثم بين - سبحانه - ما حدث لهم بعد هذا النوم الطويل فقال : { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } .
وأصل البعث فى اللغة : إثارة الشئ من محله وتحريكه بعد سكون . ومنه قولهم : بعث فلان الناقة - إذا أثارها من مبركها للسير ، ويستعمل بمعنى الإِيقاظ وهو المقصود هنا من قوله : { بعثناهم } أى : أيقظناهم بعد رقادهم الطويل .
وقوله { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } بيان للحكمة التى من أجلها أيقظهم الله من نومهم .
وكثير من المفسرين على أن الحزبين أحدهما : أصحاب الكهف والثانى : أهل المدينة الذين أيقظ الله أهل الكهف من رقادهم فى عهدهم ، وكان عندهم معرفة بشأنهم .
وقيل : هما حزبان من أهل المدينة الذين بعث هؤلاء الفتية فى زمانهم ، إلا أن أهل هذه المدينة كان منهم حزب مؤمن وآخر كافر .
وقيل : هما حزبان من المؤمنين كانوا موجودين فى زمن بعث هؤلاء الفتية ، وهذان الحزبان اختلفوا فيما بينهم فى المدة التى مكثها هؤلاء الفتية رقوداً .
والذى تطمئن إليه النفس أن الحزبين كليهما من أصحاب الكهف ، لأن الله - تعالى - قد قال بعد ذلك - { وكذلك بعثناهم } أى الفتية { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ . . } .
قال الآلوسى : { ثم بعثناهم } أى : أيقظناهم وأثرناهم من نومهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } أى : منهم ، وهم القائلون { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ } والقائلون { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } .
وقيل : أحد الحزبين الفتية الذين ظنوا قلة زمان لبثهم ، والثانى أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم وكان عندهم تاريخ غيبتهم . . والظاهر الأول لأن اللام للعهد ، ولا عهد لغير من سمعت .
والمراد بالعلم فى قوله { لنعلم . . } إظهار المعلوم ، أى ثم بعثناهم لنعلم ذلك علما يظهر الحقيقة التى لا حقيقة سواها للناس .
ويجوز أن يكون العلم هنا بمعنى التمييز ، أى : ثم بعثناهم لنميز أى الحزبين أحصى لما لبثوا أبدا .
{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي : من رقدتهم تلك ، وخرج أحدهم بدراهم معه{[17997]} ليشتري لهم بها طعامًا يأكلونه ، كما سيأتي بيانه وتفصيله ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ } أي : المختلفين فيهم { أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا } قيل : عددًا وقيل : غاية فإن الأمد الغاية كقوله{[17998]} :
البعث : هنا الإيقاظ ، أي أيقظناهم من نومتهم يقظة مفزوع . كما يُبعث البعير من مَبركه . وحسن هذه الاستعارة هنا أن المقصود من هذه القصة إثبات البعث بعد الموت فكان في ذكر لفظ البعث تنبيه على أن في هذه الإفاقة دليلاً على إمكان البعث وكيفيته .
والحزب : الجماعة الذين توافقوا على شيء واحد ، فالحزبان فريقان : أحدهما مصيب والآخر مخطىء في عد الأمد الذي مضى عليهم . فقيل : هما فريقان من أهل الكهف أنفسهم على أنه المشار إليه بقوله تعالى : { قال قائل منهم كم لبثتم } [ الكهف : 19 ] . وفي هذا بعد من لفظ حزب إذ كان القائل واحداً والآخرون شاكين ، وبعيد أيضاً من فعل { أحصى } لأن أهل الكهف ما قصدوا الإحصاء لمدة لبثهم عند إفاقتهم بل خالوها زمناً قليلاً . فالوجه : أن المراد بالحزبين حزبان من الناس أهل بلدهم اختلفت أقوالهم في مدة لبثهم بعد أن علموا انبعاثهم من نومتهم ، أحد الفريقين مصيب والآخر مخطىء ، والله يعلم المصيب منهم والمخطىء ، فهما فريقان في جانبي صواب وخطأ كما دل عليه قوله : { أحصى } .
ولا ينبغي تفسير الحزبين بأنهما حزبان من أهل الكهف الذين قال الله فيهم : { قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } الآية [ الكهف : 19 ] .
وجُعل حصول علم الله بحال الحزبين علةً لبعثِهِ إياهم كناية عن حصول الاختلاف في تقدير مدتهم فإنهم إذا اختلفوا علم الله اختلافهم عِلْمَ الواقعات ، وهو تعلق للعلم يصح أن يطلق عليه تنجيزي وإن لم يقع ذلك عند علماء الكلام .
وقد تقدم عند قوله تعالى : { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } في أول السورة الكهف ( 7 ) .
و{ أحصى } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً ، أن يكون اسم تفضيل مصوغاً من الرباعي على خلاف القياس . واختار الزمخشري في « الكشاف » تبعاً لأبي علي الفارسي الأول تجنباً لصوغ اسم التفضيل على غير قياس لقلته . واختارَ الزجاج الثاني . ومع كون صوغ اسم التفضيل من غير الثلاثي ليس قياساً فهو كثير في الكلام الفصيح وفي القرآن .
فالوجه ، أن { أحصى } اسم تفضيل ، والتفضيل منصرف إلى ما في معنى الإحصاء من الضبط والإصابة . والمعنى : لنعلم أي الحزبين أتقن إحصاءً ، أي عدا بأن يكون هو الموافق للواقع ونفس الأمر ويكون ما عداه تقريباً ورجماً بالغيب . وذلك هو ما فصله قوله تعالى : { سيقولون ثلاثة } [ الكهف : 22 ] الآية .
ف ( أي ) اسم استفهام مبتدأ وهو معلق لفعل لنعلم } عن العمل ، { وأحصى } خبر عن ( أي ) و { أمداً } تمييز لاسم التفصيل تمييزَ نسبة ، أي نسبة التفضيل إلى موصوفه كما في قوله : { أنا أكثر منك مالاً } [ الكهف : 34 ] . ولا يريبك أنه لا يتضح أن يكون هذا التمييز محولاً عن الفاعل لأنه لا يستقيم أن تقول : أفضل أمده ، إذ التحويل أمر تقديري يقصد منه التقريب .
والمعنى : ليظهرَ اضطراب الناس في ضبط تواريخ الحوادث واختلال خرصهم وتخمينهم إذا تصدوا لها ، ويعلم تفريط كثير من الناس في تحديد الحوادث وتاريخها ، وكلا الحالين يمت إلى الآخر بصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.