الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

{ أَيُّ } يتضمن معنى الاستفهام ، فعلق عنه { لَنَعْلَمَ } فلم يعمل فيه . وقرىء «ليعلم » وهو معلق عنه أيضاً ؛ لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد «يعلم » إليه وفاعل «يعلم » مضمون الجملة كما أنه مفعول «نعلم » { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } المختلفين منهم في مدّة لبثهم ؛ لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك ، وذلك قوله { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } [ الكهف : 19 ] وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم : هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم ، و { أحصى } فعل ماض أي أيهم ضبط { أَمَدًا } لأوقات لبثهم .

فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل ؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس . ونحو «أعدى من الجرب » ، و «أفلس من ابن المذلق » شاذ . والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع ، فكيف به ؟ ولأن { أَمَدًا } لا يخلو : إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل . وإما أن ينصب بلبثوا ، فلا يسدّ عليه المعنى . فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى ، كما أضمر في قوله :

وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا ***

على : نضرب القوانس ، فقد أبعدت المتناول وهو قريب ، حيث أبيت أن يكون أحصى فعلاً ، ثم رجعت مضطراً إلى تقديره وإضماره .

فإن قلت : كيف جعل الله تعالى العلم بإحصائهم المدّة غرضاً في الضرب على آذانهم ؟ قلت : الله عز وجل لم يزل عالماً بذلك ، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ، ليزدادوا إيماناً واعتباراً ، ويكون لطفاً لمؤمني زمانهم ، وآية بينة لكفاره .