فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

{ ثم بعثناهم } أي أيقظناهم من تلك النومة { لنعلم } أي ليظهر معلومنا واللام للعاقبة ، وقيل للتعليل وقرئ بالتحتية والفاعل هو الله تعالى ففيه التفات عن التكلم إلى الغيبة ، قيل والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو الاختبار مجازا فيكون المعنى بعثناهم لنعامل معاملة من يختبرهم . والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده .

{ أي الحزبين } من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة فالمراد بالحزبين الفريقان من المؤمنين والكافرين المختلفين في مدة لبثهم ، وقيل المراد نفس أصحاب الكهف لا أهل المدينة اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا ، وقيل المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك وأصحاب الكهف ، وقيل أن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب ، وقال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم .

{ أحصى } أي أضبط { لما لبثوا أمدا } وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه ، قال بن جريج : إنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة وما مصدرية أي أحصى للبثهم أو بمعنى الذي واللام زائدة ، وقيل على بابها من العلة أي لأجل قاله أبو البقاء ، وما بمعنى الذي والأمد الغاية .

وقيل إن أحصى أفعل تفضيل واختاره الزجاج والتبريزي ورد بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم أفلس من ابن المذلق{[1101]} و أعدى من الجرب ، وقال أبو علي والزمخشري وابن عطية : أن أحصى فعل ماض .


[1101]:ويروى بالدال وهو رجل من بني عبد شمس لم يكن يجد بيتة ليلة وعرف أبوه وأجداده بالإفلاس. قال الشاعر في أبيه: إنك إذ ترجو تميما ونفعها كراجي الندى والعرف عند المذلق