{ ثم بعثناهم } أي أيقظناهم من نومهم ، والبعث التحريك عن سكون إما في الشخص وإما عن الأمر المبعوث فيه ، وإن كان المبعوث فيه متحركاً و { لنعلم } أي لنظهر لهم ما علمناه من أمرهم ، وتقدم الكلام في نظير هذا في قوله { لنعلم من يتبع الرسول } وفي التحرير وقرأ الجمهور : { لنعلم } بالنون ، وقرأ الزهري بالياء وفي كتاب ابن خالوية ليعلم { أي الحزبين } حكاه الأخفش .
وفي الكشاف وقرئ ليعلم وهو معلق عنه لأن ارتفاعه بالابتداء لا بإسناد يعلم إليه ، وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أنه مفعول يعلم انتهى .
فأما قراءة لنعلم فيظهر أن ذلك التفات خرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة ، فيكون معناها ومعنى { لنعلم } بالنون سواء ، وأما ليعلم فيظهر أن المفعول الأول محذوف لدلالة المعنى عليه ، والتقدير ليعلم الله الناس { أي الحزبين } .
والجملة من الابتداء والخبر في موضع مفعولي يعلم الثاني والثالث ، وليعلم معلق .
وأما ما في الكشاف فلا يجوز ما ذكر على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لا يسمى فاعله وهو قائم مقام الفاعل ، فكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم مقام ما ناب عنه .
أحدهما : أنه يجوز الإسناد إلى الجملة اللفظية مطلقاً .
والثاني : أنه لا يجوز إلاّ إن كان مما يصح تعليقه .
والظاهر أن الحزبين هما منهم لقوله تعالى { وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم } الآية .
وكأن الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم علموا أن لبثهم تطاول ، ويدل على ذلك أنه تعالى بدأ بقصتهم أولاً مختصرة من قوله { أم حسبت } إلى قوله { أمداً } ثم قصها تعالى مطولة مسهبة من قوله { نحن نقص } - إلى قوله - { قل الله أعلم بما لبثوا } .
وقال ابن عطية : والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم { الفتية } أي ظنوا لبثهم قليلاً ، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وهذا قول الجمهور من المفسرين انتهى .
وقالت فرقة : هما حزبان كافران اختلفا في مدة أهل الكهف .
قال السدّي من اليهود والنصارى الذين علموا قريشاً السؤال عن أهل الكهف ، وعن الخضر وعن الروح وكانوا قد اختلفوا في مدة إقامة أهل الكهف في الكهف .
وقال مجاهد : قوم أهل الكهف كان منهم مؤمنون وكافرون واختلفوا في مدة إقامتهم .
وقيل : حزبان من المؤمنين في زمن { أصحاب الكهف } اختلفوا في مدة لبثهم قاله الفراء .
وقال ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب .
وقال ابن بحر : الحزبان الله والخلق كقوله { أأنتم أعلم أم الله } وهذه كلها أقوال مضطربة .
وقال ابن قتادة : لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمن ولا لكافر بدليل قوله { الله أعلم بما لبثوا } .
وقال مقاتل : كما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث .
و { أحصى } جوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون فعلاً ماضياً ، وما مصدرية و { أمداً } مفعول به ، وأن يكون أفعل تفضيل و { أمداً } تمييز .
واختار الزجّاج والتبريزي أن يكون أفعل للتفضيل واختار الفارسي والزمخشري وابن عطية أن تكون فعلاً ماضياً ، ورجحوا هذا بأن { أحصى } إذا كان للمبالغة كان بناء من غير الثلاثي ، وعندهم أن ما أعطاه وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب شاذ لا يقاس .
ويقول أبو إسحاق : إنه قد كثر من الرباعي فيجوز ، وخلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للمال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن .
قال : وهذه كلها أفعل من الرباعي انتهى .
وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي .
وفي بناء أفعل للتعجب وللتفضيل ثلاثة مذاهب يبنى منه مطلقاً وهو ظاهر كلام سيبويه ، وقد جاءت منه ألفاظ ولا يبنى منه مطلقاً وما ورد حمل على الشذود والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنقل ، فلا يجوز ، أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن تقول ما أشكل هذه المسألة ، وما أظلم هذا الليل .
وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا .
ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو ، وإذا قلنا بأن { أحصى } اسم للتفضيل جاز أن يكون { أي الحزبين } موصولاً مبنياً على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء فيه ، وهو كون { أي } مضافة حذف صدر صلتها ، والتقدير ليعلم الفريق الذي هو { أحصى } { لما لبثوا أمداً } من الذين لم يحصوا ، وإذا كان فعلاً ماضياً امتنع ذلك لأنه إذ ذاك لم يحذف صدر صلتها لوقوع الفعل صلة بنفسه على تقدير جعل { أي } موصولة فلا يجوز بناؤها لأنه فات تمام شرطها ، وهو أن يكون حذف صدر صلتها .
وقال : فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل ؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس ، ونحو أعدى من الجرب ، وأفلس من ابن المذلق شاذ ، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به ، ولأن { أمداً } لا يخلو إما أن ينصب بأفعل فأفعل لا يعمل ، وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى ، فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه { أحصى } كما أضمر في قوله :
واضرب منا بالسيوف القوانسا . . .
على يضرب القوانس فقد أبعدت المتناول وهو قريب حيث أبيت أن يكون { أحصى } فعلاً ثم رجعت مضطراً إلى تقديره وإضماره انتهى .
أما دعواه الشذوذ فهو مذهب أبي عليّ ، وقد ذكرنا أن ظاهر مذهب سيبويه جواز بنائه من أفعل مطلقاً وأنه مذهب أبي إسحاق وأن التفصيل اختيار ابن عصفور وقول غيره .
والهمزة في { أحصى } ليست للنقل .
وأما قوله فافعل لا يعمل ليس بصحيح فإنه يعمل في التمييز ، و { أمداً } تمييز وهكذا أعربه من زعم أن { أحصى } أفعل للتفضيل ، كما تقول : زيداً أقطع الناس سيفاً ، وزيد أقطع للهام سيفاً ، ولم يعربه مفعولاً به .
وأما قوله : وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى أي لا يكون سديداً فقد ذهب الطبري إلى نصب { أمداً } بلبثوا .
قال ابن عطية : وهذا غير متجه انتهى .
وقد يتجه ذلك أن الأمد هو الغاية ويكون عبارة عن المدة من حيث أن للمدة غاية في أمد المدة على الحقيقة ، وما بمعنى الذي و { أمداً } منتصب على إسقاط الحرف ، وتقديره لما { لبثوا } من أمد أي مدة ، ويصير من أمد تفسيراً لما أنهم في لفظ { ما لبثوا } كقوله { ما ننسخ من آية } { ما يفتح الله للناس من رحمة } ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل .
وأما قوله : فإن زعمت إلى آخره فيقول : لا يحتاج إلى هذا الزعم لأنه لقائل ذلك أن يسلك مذهب الكوفيين في أن أفعل التفضيل ينتصب المفعول به ، فالقوانس عندهم منصوب باضرب نصب المفعول به ، وإنما تأويله بضرب القوانس قول البصريين ، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى أن قوله { أعلم من يضل } من منصوبة بأعلم نصب المفعول به ، ولو كثر وجود مثل :
واضرب منا بالسيوف القوانسا . . .
لكنا نقيسه ويكون معناه صحيحاً لأن أفعل التفضيل مضمن معنى المصدر فيعمل بذلك التضمين ، ألا ترى أن المعنى يزيد ضربنا بالسيوف القوانسا على ضرب غيرنا ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.