78- وعلم قومه بهم ، فجاءوا مسرعين إليه ، ومن قبل ذلك كانوا يرتكبون الفواحش ، ويقترفون السيئات ، قال لهم لوط : يا قوم هؤلاء بناتي ، تزوّجوا بهن ، فذلك أطهر لكم من ارتكاب الفواحش مع الذكور ، فخافوا الله وصونوا أنفسكم من عقابه ، ولا تفضحوني وتهينوني بالاعتداء على ضيفي ، أليس فيكم رجل سديد الرأي ، رشيد العقل ، يردكم عن الغيّ ويكفكم عن السوء ؟ .
ف { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يسرعون ويبادرون ، يريدون أضيافه بالفاحشة ، التي كانوا يعملونها ، ولهذا قال : { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } أي : الفاحشة التي ما سبقهم عليها أحد من العالمين .
{ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } من أضيافي ، [ وهذا كما عرض لسليمان صلى الله عليه وسلم ، على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه ، لاستخراج الحق ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن ، ولا حق لهم فيهن . والمقصود الأعظم ، دفع هذه الفاحشة الكبرى ]{[434]}
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي : إما أن تراعوا تقوى الله ، وإما أن تراعوني في ضيفي ، ولا تخزون عندهم .
{ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } فينهاكم ، ويزجركم ، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم ، من الخير والمروءة .
ثم بين - سبحانه - ما كان من قوم لوط - عليه السلام - عندما علموا بوجود هؤلاء الضويف عنده فقال : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات . . . }
- ويهرعون - بضم الياء وفتح الراء على صيغة المبنى للمفعول - أى : يدفع بعضهم بعضاً بشدة ، كأن سائقاً يسوقهم إلى المكان الذى فيه لوط وضيوفه .
يقال هُرع الرجل وأهرع - بالبناء للمفعول فيهما - إذا أعجل وأسرع لدافع يدفعه إلى ذلك .
قال الآلوسى : والعامة على قراءة مبنياً للمفعول ، وقرأ جماعة يهرعون - بفتح الياء مع البناء للفاعل - من هرع - بفتح الهاء والراء - وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان ، كأن بعضه يدفع بعضاً .
أى : وبعد أن علم قوم لوط بوجود هؤلاء الضيوف عند نبيهم ، جاءوا إليه مسرعين يسوق بعضهم بعضاً إلى بيته من شدة الفرح ، ومن قبل هذا المجئ ، كان هؤلاء القوم الفجرة ، يرتكبون السيئات الكثيرة ، التى من أقبحها إتيانهم الرجال شهوة من دون النساء .
وقد طوى القرآن الكريم ذكر الغرض الذى جاءوا من أجله ، وأشار إليه بقوله : { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات } للإِشعار بأن تلك الفاحشة صارت عادة من العادات المتأصلة فى نفوسهم الشاذة ، فلا يسعون إلا من أجل قضائها .
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما بادرهم به نبيهم بعد أن رأى هياجهم وتدافعهم نحو داره فقال : { ياقوم هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ . . . } يرشدهم إلى نسائهم ، فإن النبى للأمة بمنزلة الولد ، فأرشدهم إلأى ما هو أنفع لهم ، كما قال لهم فى آية أخرى : { أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين . وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } قال مجاهد : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبى أبو أمته . . .
وقال سعيد بن جبير : يعنى نساؤهم ، هن بناته وهو أب لهم . . .
ومنهم من يرى أن المراد ببيناته هنا : بناته من صلبه ، وأنه عرض عليهم الزواج بهن . . .
ويضعف هذا الرأى أن لوطا - عليه السلام - كان له بنتان أو ثلاثة - كما جاء فى بعض الروايات - وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيراً ، فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج . . . ؟
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، وقد رجحه الإِمام الرازى بأن قال ما ملخصه : " وهذا لاقول عندى هو المختار ، ويدل عليه وجوه .
منها : أنه قال { هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } وبناته اللاتى من صلبه لا تكفى للجمع العظيم ، أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل . .
ومنها : أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما : " زنتا وزعورا ، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز ، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة . . . " .
والمعنى : أن لوطا - عليه السلام - عندما رأى تدافعهم نحو بيته لارتكاب الفاحشة التى ما سبقهم بها من أحد من العالمين ، قال لهم : برجاء ورفق { ياقوم } هؤلاء نساؤكم اللائى بمنزلة بناتى ارجعوا إليهن فاقضوا شهوتكم معهن فهن أطهر لكم نفسياً وحسياً من التلوث برجس اللواط ، وأفعل التفضيل هنا وهو { أطهر } ليس على بابه ، بل هو للمبالغة فى الطهر .
قال القرطبى : وليس ألف أطهر للتفضيل ، حتى يتوهم أن فى نكاح الرجال طهارة ، بل هو كقولك الله أكبر - أى كبير - . . . ولم يكابر الله - تعالى - أحد حتى يكون الله - تعالى - أكبر منه . . .
ثم أضاف إلى هذا الإِرشاد لهم إرشاداً آخر فقال : { فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي . . . }
قال الجمل : ولفظ الضيف فى الأصل مصدر ، ثم أطلق على الطلاق ليلاً إلى المضيف ، ولذا يقع على المفرد والمذكر وضديهما بلفظ واحد ، وقد يثنى فيقال : ضيفان ، ويجمع فيقال : " أضايف وضيوف . . . "
وتخزون : من الخزى وهو الإِهانة والمذلة . يقال : خزى الرجل يخزى خزياً . . . . إذا وقع فى بللية فذل بذلك .
أى : بعد أن أرشدهم إلى نسائهم ، أمرهم بتقوى الله ومراقبته ، فقال لهم : فاتقوا الله . ولا تجعلونى مخزياً مفضوحاً أمام ضويفى بسبب اعتدائكم عليهم ، فإن الاعتداء على الضيوف كأنه اعتداء على المضيف .
ويبدو أن لوطاً - عليه السلام - قد قال هذه الجملة ليلمس بها نخوتهم إن كان قد بقى فيهم بقية من نخوة ، ولكنه لما رأى إصرارهم على فجورهم وبخهم بقوله :
{ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } يهدى إلى الرشد والفضيلة . وينهى عن الباطل والرذيلة . فيقف إلى جانبى ، ويصرفكم عن ضيوفى ؟
أي يسرعون في حالة تشبه الحمى .
( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) . .
وكان هذا ما ساء الرجل بضيوفه ، وما ضيق بهم ذرعه ، وما دعاه إلى توقع يوم عصيب !
ورأى لوط ما يشبه الحمى في أجساد قومه المندفعين إلى داره ، يهددونه في ضيفه وكرامته . فحاول أن يوقظ فيهم الفطرة السليمة ، ويوجههم إلى الجنس الآخر الذي خلقه الله للرجال ، وعنده منه في داره بناته ، فهن حاضرات ، حاضرات اللحظة إذا شاء الرجال المحمومون تم الزواج على الفور ، وسكنت الفورة المحمومة والشهوة المجنونة !
( قال : يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم . فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي . أليس منكم رجل رشيد ؟ ) .
( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) . .
أطهر بكل معاني الطهر . النفسي والحسي . فهن يلبين الفطرة النظيفة ، ويثرن مشاعر كذلك نظيفة . نظافة فطرية ونظافة أخلاقية ودينية . ثم هن أطهر حسيا . حيث أعدت القدرة الخالقة للحياة الناشئة مكمنا كذلك طاهرا نظيفا .
قالها يلمس نفوسهم من هذا الجانب بعد أن لمسها من ناحية الفطرة .
قالها كذلك يلمس نخوتهم وتقاليد البدو في إكرام الضيف إطلاقا .
فالقضية قضية رشد وسفه إلى جوار أنها قضية فطرة ودين ومروءة . . ولكن هذا كله لم يلمس الفطرة المنحرفة المريضة ، ولا القلوب الميتة الآسنة ، ولا العقول المريضة المأفونة . وظلت الفورة المريضة الشاذة في اندفاعها المحموم :
وقوله : { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يسرعون ويهرولون [ في مشيتهم ويجمرون ]{[14781]} من فرحهم بذلك [ وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة وشمر بن عطية وسفيان بن عيينة ]{[14782]} .
وقوله : { وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } أي : لم يزل هذا من سجيتهم [ إلى وقت آخر ]{[14783]} حتى أخذوا وهم على ذلك الحال .
وقوله : { قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يرشدهم إلى نسائهم ، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد [ للرجال والنساء ]{[14784]} ، فأرشدهم إلى ما هو أنفع{[14785]} لهم في الدنيا والآخرة ، كما قال لهم في الآية الأخرى : { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } [ الشعراء : 165 ، 166 ] ، وقوله في الآية الأخرى : { قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ } [ الحجر : 70 ] أي : ألم{[14786]} ننهك عن ضيافة الرجال { قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الحجر : 71 ، 72 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } قال{[14787]} مجاهد : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمَّتِهِ ، وكل نبي أبو أمَّتِه .
وكذا روي عن قتادة ، وغير واحد .
وقال ابن جُرَيْج : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، ولم يعرض عليهم سفاحا .
وقال سعيد بن جبير : يعني نساءهم ، هن بَنَاته ، وهو أب لهم{[14788]} ويقال في بعض القراءات{[14789]} النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم .
وكذا روي عن الربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم .
وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي : اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم{[14790]} ، { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } أي : [ ليس منكم رجل ]{[14791]} فيه خير ، يقبل ما آمره به ، ويترك ما أنهاه عنه ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ قَالَ يَقَوْمِ هََؤُلآءِ بَنَاتِي هُنّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رّشِيدٌ } .
يقول تعالى ذكره : وجاء لوطا قومه يستحثون إليه يَرْعَدون مع سرعة المشي مما بهم من طلب الفاحشة ، يقال : أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمّى : إذا أُرعد ، وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصا ، كما قال الراجز :
*** بِمُعْجَلاتٍ نَحْوَهُ مَهارِعِ ***
فجاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسارَى *** نَقُودُهُمُ على رَغْمِ الأُنُوفِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يُهَرْوِلون ، وهو الإسراع في المشي .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يسعون إليه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : فأتوه يُهرعون إليه ، يقول : سراعا إليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يسرعون إليه .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يقول : يسرعون المشي إليه .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يهرولون في المشي . قال سفيان : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يسرعون إليه .
حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : كأنهم يُدْفَعون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : أقبلوا يُسْرعون مشيا بين الهَرْولة والجَمْز .
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يقول : مسرعين .
وقوله : وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ يقول : من قبل مجيئهم إلى لوط كانوا يأتون الرجال في أدبارهم . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ قال : يأتون الرجال .
وقوله : قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتي يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه لما جاءوا يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكِحوهن ف هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ . كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم لوط بتزويج النساء ، وقال : هن أطهر لكم .
حدثنا محمدقال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : وبلغني هذا أيضا عن مجاهد .
حدثنا ابن وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكلّ نبيّ أبو أمته .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم أن يتزوّجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا أبو بشر ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم أن يتزوّجوا النساء ، وأراد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقيَ أضيافه ببناته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو جعفر عن الربيع ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج .
حدثني أبو جعفر ، عن الربيع ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا محمد بن شبيب الزهراني عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قول لوط : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني : نساؤهم هنّ بناته هو نبيهم . وقال في بعض القراءة : «النّبِيّ أوْلى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ وهو أَبٌ لهم » .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قالوا : أو لم ننهك أن تُضَيّف العالمين ، قال : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ إن كنْتم فاعلين ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه . فيزعمون والله أعلم أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قَطّ منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاءوه قالوا : أوَ لمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَمِينَ أي ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة . قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فأنا أَفدى ضيفي منكم بهنّ . ولم يدْعهم إلا إلى الحلال من النكاح .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : هَؤُلاءِ بَناتي قال : النساء .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فقرأته عامة القرّاء برفع أطهر ، على أن جعلوا «هنّ » اسما ، و«أطهر » خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال . وذُكر عن عيسى بن عمر البصْري أنه كان يقرأ ذلك : «هنّ أطْهَرَ » لكم بنصب «أطهر » . وكان بعض نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنّما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : «هنّ » عمادا للفعل فلا يعمله . وقال آخر منهم : مسموع من العرب : هذا زيد إياه بعينه ، قال : فقد جعله خبرا لهذا مثل قولك : كان عبد الله إياه بعينه . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا لأن التقريب ردّ كلام فلم يجتمعا لأنه يتناقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : ها أنا ذا حاضر ، أو زيد هو العالم ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .
والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك : الرفع هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .
وقوله : فاتّقُوا اللّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يقول : فاخشوا الله أيها الناس ، واحذروا عقابه في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها . وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يقول : وَلا تُذِلّوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم . والضيف في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع ، والعرب تسمي الواحد والجمع ضيفا بلفظ واحد كما قالوا : رجل عدل ، وقوم عدل .
وقوله : ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يقول : أليس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك ؟ كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فاتّقُوا اللّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ أي رجل يعرف الحق وينهي عن المنكر .
وقوله تعالى : { وجاءه قومه } الآية ، روي أن امرأة لوط الكافرة لما رأت ، الأضياف ورأت جمالهم وهيئتهم خرجت حتى أتت مجالس قومها فقالت لهم : إن لوطاً أضاف الليلة فتية ما رئي مثلهم جمالاً وكذا وكذا ، فحينئذ جاءوا { يهرعون إليه } ، ومعناه يسرعون ، والإهراع هو : أن يسرع أمر بالإنسان حتى يسير بين الخبب والجمز{[6444]} ، فهي مشية الأسير الذي يسرع به ، والطامع المبادر إلى أمر يخاف فوته ، ونحو هذا ؛ يقال هرع الرجل وأهرعه طمع أو عدو أو خوف ونحوه .
والقراءة المشهورة : «يُهرعون » بضم الياء أي يهرعون الطمع ، وقرأت فرقة : «يَهرعون » بفتح الياء ، من هرع ، ومن هذه اللفظة قول مهلهل : [ الوافر ]
فجاءوا يَهرعون وهم أسارى*** تقودُهم على رغم الأنوف{[6445]}
وقوله : { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } ، أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال ، فجاءوا إلى الأضياف لذلك فقام إليهم لوط مدافعاً ، وقال : { هؤلاء بناتي } فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح ، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة ، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا . وقالت فرقة : إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه ، روي هذا القول عن أبي عبيدة ، وهو ضعيف ، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير : الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وقالت فرقة : أشار بقوله : { بناتي } إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم ، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم }{[6446]} وهو أب لهم وأشار أيضاً لوط - في هذا التأويل - إلى النكاح{[6447]} .
وقرأت فرقة - هي الجمهور - «هن أطهرُ » برفع الراء على خبر الابتداء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ومحمد بن مروان وسعيد بن جبير : «أطهرَ » بالنصب قال سيبويه : هو لحن ، قال أبو عمرو بن العلاء : احتبى فيه ابن مروان في لحنه{[6448]} ، ووجهه عند من قرأ به النصب على الحال بأن يكون { بناتي } ابتداء و { هن } خبره ، والجملة خبر { هؤلاء } .
قال القاضي أبو محمد : وهو إعراب مروي عن المبرد ، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية ، وإنما قوم اللفظ فقط والمعنى إنما هو في قوله : { أطهر } وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها - كما تقدم في قوله : { وهذا بعلي شيخاً } [ هود : 72 ] ، والوجه أن يقال : { هؤلاء بناتي } ابتداء وخبر ، و { هن } فصل و { أطهر } حال وإن كان شرط الفصل أن يكون بين معرفتين ليفصل الكلام من النعت إلى الخبر ، فمن حيث كان الخبر هنا في { أطهر } ساغ القول بالفصل ، ولما لم يستسغ ذلك أبو عمرو ولا سيبويه لحنا ابن مروان ، وما كانا ليذهب عليهما ما ذكر أبو الفتح ، و «الضيف » : مصدر يوسف به الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث{[6449]} ؛ ثم وبخهم بقوله : { أليس منكم رجل رشيد } أي يزعكم ويردكم .