المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

21- وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا أهل المدينة عليهم ليعلم المطلعون أن وعد الله بالبعث حق ، وأن القيامة لا شك في إتيانها . فآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر ، ثم أمات الله الفتية فتنازعوا في شأنهم ، فقال بعضهم : ابنوا على باب الكهف بنياناً ونتركهم وشأنهم فربهم أعلم بحالهم ، وقال أصحاب الكلمة في القوم : لنتخذن على مكانهم مسجداً للعبادة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

{ 21 } { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

يخبر الله تعالى ، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف ، وذلك -والله أعلم- بعدما استيقظوا ، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما ، وأمروه بالاستخفاء والإخفاء ، فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس ، وزيادة أجر لهم ، وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله ، المشاهدة بالعيان ، على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد ، بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم ، فمن مثبت للوعد والجزاء ، ومن ناف لذلك ، فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين ، وحجة على الجاحدين ، وصار لهم أجر هذه القضية ، وشهر الله أمرهم ، ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم .

و { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا } الله أعلم بحالهم ومآلهم ، وقال من غلب على أمرهم ، وهم الذين لهم الأمر :

{ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } أي : نعبد الله تعالى فيه ، ونتذكر به أحوالهم ، وما جرى لهم ، وهذه الحالة محظورة ، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وذم فاعليها ، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها ، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم ، وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا : ابنوا عليهم مسجدا ، بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم ، وحذرهم من الاطلاع عليهم ، فوصلت الحال إلى ما ترى .

وفي هذه القصة ، دليل على أن من فر بدينه من الفتن ، سلمه الله منها . وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله ، آواه الله ، وجعله هداية لغيره ، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته ، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب { وما عند الله خير للأبرار }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

فقوله - سبحانه - : { وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ليعلموا } بيان للحكمة التى من أجلها أطلع الله - تعالى - الناس على هؤلاء الفتية .

قال الآلوسى ما ملخصه : وأصل العثور السقوط للوجه ، يقال : عثُر عثورا وعِثارا إذا سقط لوجهه ، ومنه قولهم فى المثل : الجواد لا يكاد يعثر . ثم تجوز به فى الاطلاع على أمر من غير طلبه .

وقال بعضهم : لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثرته ، ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان ، فهو فى ذلك مجاز مشهور بعلاقة السببية .

ومفعول { أعثرنا } محذوف لقصد العموم ، أى : وكذلك أطلعنا الناس عليهم ، .

والمعنى : وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة ، وبعثناهم هذا البعث الخاص ، أطلعنا الناس عليهم ليعلم هؤلاء الناس عن طريق المعاينة والمشاهدة ، { أَنَّ وَعْدَ الله } بالبعث { حق } وصدق وليعلموا كذلك أن الساعة ، أى القيامة ، آتية لا ريب فيها ، ولا شك فى حصولها ، فإن من شاهد أهل الكهف ، وعرف أحوالهم ، أيقن بأن من كان قادراً على إنامتهم تلك المدة الطويلة ثم على بعثهم بعد ذلك . فهو قادر على إعادة الحياة إلى الموتى ، وعلى بعث الناس يوم القيامة للحساب والجزاء .

وقد ذكروا فى كيفية إطلاع الناس عليهم روايات ملخصها : " أن زميلهم الذى أرسلوه بالدراهم إلى السوق ليشترى لهم طعاما عندما وصل إلى سوق المدينة ، عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام ، فدفع إليه ما معه من نقود لكى يأخذ فى مقابلها طعاما ، فلما رأى البائع النقود أنكرها - لأنها مصنوعة منذ زمن بعيد - وأخذ يطلع عليها بقية التجار ، فقالوا له : أين وجدت هذه الدراهم ؟ فقال لهم : بعت بها أمس شيئا من التمر ، وأنا من أهل هذه المدينة ، وقد خرجت أنا وملائى إلى الكهف خوفا من إيذاء المشركين لنا ، فأخذوه إلى ملكهم وقصوا عليه قصته . فسر الملك به ، وذهب معه إلى الكهف ليرى بقية زملائه فلما رآهم سلم عليهم . . ثم أماتهم الله - تعالى - " .

ثم بين - سبحانه - ما كان من أمرهم بعد وفاتهم واختلاف الناس فى شأنهم ، فقال : { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } .

والظرف " إذ " متعلق بمحذوف تقديره : اذكر ، و { يتنازعون } من التنازع بمعنى التخاصم والاختلاف ، والضمير فى { أمرهم } يعود إلى الفتنة .

والمعنى : لقد قصصنا عليك - أيها الرسول الكريم - قصة هؤلاء الفتية . وبينا لك أحوالهم عند رقادهم ، وبعد بعثهم من نومهم ، وبعد الإِعثار عليهم ، وكيف أن الذين عثروا عليهم صاروا يتنازعون فى شأنهم . فمنهم من يقول إنهم وجدوا فى زمن كذا ، ومنهم من يقول إنهم مكثوا فى كهفهم كذا سنة ، ومنهم من يقول نبنى حولهم بنيانا صفته كذا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

وهنا يسدل الستار على مشهدهم في الكهف ليرفع على مشهد آخر . وبين المشهدين فجوة متروكة في السياق القرآني .

ونفهم أن أهل المدينة اليوم مؤمنون ، فهم شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين بعد أن انكشف أمرهم بذهاب أحدهم لشراء الطعام ، وعرف الناس أنه أحد الفتية الذين فروا بدينهم منذ عهد بعيد .

ولنا أن نتصور ضخامة المفاجأة التي اعترت الفتية - بعد أن أيقن زميلهم أن المدينة قد مضى عليها العهد الطويل منذ أن فارقوها ؛ وأن الدنيا قد تبدلت من حولهم فلم يعد لشيء مما ينكرونه ولا لشيء مما يعرفونه وجود ! وأنهم من جيل قديم مضت عليه القرون . وأنهم أعجوبة في نظر الناس وحسهم ، فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين . وأن كل ما يربطهم بجيلهم من قرابات ومعاملات ومشاعر وعادات وتقاليد . . كله قد تقطع ، فهم أشبه بالذكرى الحية منهم بالأشخاص الواقعية . . فيرحمهم الله من هذا كله فيتوفاهم .

لنا أن نتصور هذا كله . أما السياق القرآني فيعرض المشهد الأخير ، مشهد وفاتهم ، والناس خارج الكهف يتنازعون في شأنهم : على أي دين كانوا ، وكيف يخلدونهم ويحفظون ذكراهم للأجيال . ويعهد مباشرة إلى العبرة المستقاة من هذا الحادث العجيب :

( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة لا ريب فيها . إذ يتنازعون بينهم أمرهم ، فقالوا : ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم . قال الذين غلبوا على أمرهم : لنتخذن عليهم مسجدا ) .

إن العبرة في خاتمة هؤلاء الفتية هي دلالتها على البعث بمثل واقعي قريب محسوس . يقرب إلى الناس قضية البعث . فيعلموا أن وعد الله بالبعث حق ، وأن الساعة لا ريب فيها . . وعلى هذا النحو بعث الله الفتية من نومتهم وأعثر قومهم عليهم .

وقال بعض الناس : ( ابنوا عليهم بنيانا )لا يحدد عقيدتهم ( ربهم أعلم بهم )وبما كانوا عليه من عقيدة . وقال أصحاب السلطان في ذلك الأوان : ( لنتخذن عليهم مسجدا )والمقصود معبد ، على طريقة اليهود والنصارى في اتخاذ المعابد على مقابر الأنبياء والقديسين . وكما يصنع اليوم من يقلدونهم من المسلمين مخالفين لهدى الرسول [ ص ] " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

يقول تعالى : { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي : أطلعنا عليهم الناس { لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا }

ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة . وقال عكرمة : كان منهم طائفة قد قالوا : تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد . فبعث الله أهل الكهف حجة{[18063]} ودلالة وآية على ذلك .

وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة ، في شراء شيء لهم ليأكلوه ، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة ، حتى انتهى إلى المدينة ، وذكروا أن اسمها دقسوس{[18064]} وهو يظن أنه قريب العهد بها ، وكان الناس قد تبدلوا قرنًا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة ، وتغيرت البلاد ومن عليها ، كما قال الشاعر :

أما الدّيارُ فَإنَّها كَديارهِم *** وَأرَى رجالَ الحَي غَيْرَ رجَاله

فجعل لا يرى شيئًا من معالم البلد التي يعرفها ، ولا يعرف أحدًا من أهلها ، لا{[18065]} خواصها ولا عوامها ، فجعل يتحير في نفسه ويقول : لعل بي جنونًا أو مسًا ، أو أنا حالم ، ويقول : والله ما بي شيء{[18066]} من ذلك ، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة . ثم قال : إن تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي . ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام ، فدفع إليه ما معه من النفقة ، وسأله أن يبيعه بها طعامًا . فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضَرْبها ، فدفعها إلى جاره ، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون : لعل هذا قد وجد كنزا . فسألوه عن أمره ، ومن أين له هذه النفقة ؟ لعله وجدها من كنز . ومن أنت ؟ فجعل يقول : أنا من أهل هذه المدينة{[18067]} وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس . فنسبوه إلى الجنون ، فحملوه إلى وليّ أمرهم ، فسأله عن شأنه وعن أمره حتى أخبرهم بأمره ، وهو متحير في حاله ، وما هو فيه . فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف : مُتَوَلّى البلد وأهلها ، حتى انتهى بهم إلى الكهف ، فقال : دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي ،

فيقال : إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه ، وأخفى الله عليهم خبره{[18068]} ويقال : بل دخلوا عليهم ، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم ، وكان مسلمًا فيما قيل ، واسمه تيدوسيس{[18069]} ففرحوا به وآنسوه بالكلام ، ثم ودعوه{[18070]} وسلموا عليه ، وعادوا إلى مضاجعهم ، وتوفاهم الله ، عز وجل ، فالله أعلم .

قال قتادة : غزا{[18071]} ابن عباس مع حبيب بن مسلمة ، فمروا بكهف في بلاد الروم ، فرأوا فيه عظامًا ، فقال قائل : هذه عظام أهل الكهف ؟ فقال ابن عباس : لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلاثمائة سنة . رواه ابن جرير .

وقوله : { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ }{[18072]} أي : كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم ، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان { لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } أي : في أمر القيامة ، فمن مثبت لها ومن منكر ، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } أي : سدوا عليهم باب كهفهم ، وذروهم على حالهم { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا }

حكى ابن جرير في القائلين{[18073]} ذلك قولين : أحدهما : إنهم المسلمون منهم . والثاني : أهل الشرك منهم ، فالله أعلم{[18074]}

والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ . ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " {[18075]} يحذر ما فعلوا . وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق ، أمر أن يخفى عن الناس ، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده ، فيها شيء من الملاحم وغيرها .


[18063]:في ت: "وحجة".
[18064]:في ت: "دقوس".
[18065]:في ت، ف: "ولا".
[18066]:في ت: "شتى".
[18067]:في ت: "النفقة".
[18068]:في ت، ف: "خبرهم".
[18069]:في ت: "تيدرسين"، وفي ف: "بيدوسيس".
[18070]:في ت، ف: "دعوه".
[18071]:في ت: "وعن".
[18072]:في ت: "وعن".
[18073]:في ت: "القائل".
[18074]:في ت: "والله أعلم".
[18075]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1330) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوَاْ أَنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَأَنّ السّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رّبّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىَ أَمْرِهِمْ لَنَتّخِذَنّ عَلَيْهِمْ مّسْجِداً } .

يقول تعالى ذكره : وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم ساعة رقدوا ، ليتساءلوا بينهم ، فيزدادوا بعظيم سلطان الله بصيرة ، وبحسن دفاع الله عن أوليائه معرفة كَذلكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ يقول : كذلك أطلعنا عليهم الفريق الاَخر الذين كانوا في شكّ من قُدرة الله على إحياء الموتى ، وفي مِرْية من إنشاء أجسام خلقه ، كهيئتهم يوم قبضهم بعد البِلَى ، فيعلموا أن وعْد الله حقّ ، ويُوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكذلكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ يقول : أطلعنا عليهم ليعلم من كذب بهذا الحديث ، أن وعد الله حقّ ، وأن الساعة لا ريب فيها .

وقوله : إذْ يَتَنازَعُون بَيْنَهُمْ أمْرَهُمْ يعني : الذين أعثروا على الفتية . يقول تعالى : وكذلك أعثرنا هؤلاء المختلفين في قيام الساعة ، وإحياء الله الموتى بعد مماتهم من قوم تيذوسيس ، حين يتنازعون بينهم أمرهم فيما الله فاعل بمن أفناه من عباده ، فأبلاه في قبره بعد مماته ، أمنشئهم هو أم غير منشئهم . وقوله : فقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانا يقول : فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف : ابنوا عليهم بنيانا رَبّهمْ أعْلَمُ بِهِمْ يقول : ربّ الفتية أعلم بالفتية وشأنهم . وقوله : قالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ يقول جلّ ثناؤه : قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف لَنَتّخِذَنّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدا .

وقد اختُلف في قائلي هذه المقالة ، أهم الرهط المسلمون ، أم هم الكفار ؟ وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى ، وسنذكر إن شاء الله ما لم يمض منه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قالَ الّذِينَ غَلَبُوا على أمْرِهِمْ لَنَتّخِذَنّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدا قال : يعني عدوّهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عبد العزيز بن أبي روّاد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : عمّى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم ، فلم يهتدوا ، فقال المشركون : نبني عليهم بنيانا ، فإنهم أبناء آبائنا ، ونعبد الله فيها ، وقال المسلمون : بل نحن أحقّ بهم ، هم منا ، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه ، ونعبد الله فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

{ وكذلك أعثرنا عليهم } وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم . { ليعلموا } ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم . { أن وعد الله } بالبعث أو الموعود الذي هو البعث . { حق } لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث . { وان الساعة لا ريب فيها } وأن القيامة لا ريب في إمكانها ، فإن من توفى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين حافظا أبدانها عن التحلل والتفتت ، ثم أرسلنا إليها قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر أبدانهم فيردها عليها . { إذ يتنازعون } ظرف ل { أعثرنا } أي أعثرنا عليهم حين يتنازعون . { بينهم أمرهم } أمر دينهم ، وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين أنهما يبعثان معا ، أو أمر الفتية حين أماتهم الله ثانيا بالموت فقال بعضهم ، ماتوا وقال آخرون ناموا نومهم أول مرة ، أو قالت طائفة نبني عليهم بنيانا يسكنه الناس ويتخذونه قربة ، وقال آخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه كما قال تعالى : { فقالوا ابنُوا عليهم بُنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا } وقوله { ربهم أعلم بهم } اعتراض إما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين في زمانهم ، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكرا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك . حكي أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك -وكان نصرانيا موحدا- فقص عليه القصص ، فقال بعضهم : إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم ، ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليم مسجدا . وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولا لئلا يفزعوا ، فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ لِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَيۡبَ فِيهَآ إِذۡ يَتَنَٰزَعُونَ بَيۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُواْ ٱبۡنُواْ عَلَيۡهِم بُنۡيَٰنٗاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا} (21)

الإشارة بذلك في قوله { وكذلك } إلى { بعثناهم ليتساءلوا } [ الكهف : 19 ] أي كما بعثناهم { أعثرنا عليهم } ، و «أعثر » تعدية بالهمزة ، وأصل العثار في القدم ، فلما كان العاثر في الشيء منتبهاً له شبه به من تنبه لعلم شيء عن له وثار بعد خفائه ، والضمير في قوله { ليعلموا } يحتمل أن يعود على الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم ، وإلى هذا ذهب الطبري ، وذلك أنهم ، فيما روي ، دخلتهم حينئذ فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه ، وقالوا إنما تحشر الأرواح ، فشق على ملكهم ذلك وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد ، وتضرع إلى الله في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ، فلما بعثهم الله ، وتبين الناس أمرهم ، سر الملك ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين به ، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } على هذا التأويل ، ويحتمل أن يعمل في { أن } على هذا التأويل ، { أعثرنا } ، ويحتمل أن يعمل فيه { ليعلموا } ، والضمير في قوله { ليعلموا } يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف ، أي جعل الله أمرهم آية لهم دالة على بعث الأجساد من القبور ، وقوله { إذ يتنازعون } على هذا التأويل ابتداء خبر عن القوم الذين بعثوا على عهدهم ، والعامل في { إذ } ، فعل مضمر تقديره واذكر ، ويحتمل أن يعمل فيه { فقالوا } { إذ يتنازعون } { ابنوا عليهم } . والتنازع على هذا التأويل ، إنما هو في أمر البناء أو المسجد ، لا في أمر القيامة ، و «الريب » : الشك ، والمعنى أن الساعة في نفسها وحقيقتها لا شك فيها ، وإن كان الشك قد وقع لناس ، فذلك لا يلحقها منه شيء ، وقيل إن التنازع إنما هو في أن اطلعوا عليهم فقال بعض هم أموات ، وبعض هم أحياء ، وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم ، وتركهم فيه مغيبين ، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر : لنتخذن عليهم مسجداً ، فاتخذوه ، وقال قتادة { الذين غلبوا } هم الولاة ، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي : «غُلِبوا » بضم الغين وكسر اللام ، والمعنى أن الطائفة التي أرادت المسجد كانت أولاً تريد أن لا يبنى عليهم شيء ، وأن لا يعرض لموضعهم ، فروي أن طائفة أخرى مؤمنة أرادت ولا بد طمس الكهف ، فلما غلبت الأولى على أن يكون بنيان لا بد ، قالت يكون مسجداً ، فكان ، وروي أن الطائفة التي دعت إلى البنيان ، إنما كانت كافرة ، أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم ، فمانعهم المؤمنون ، وقالوا { لنتخذن عليهم مسجداً } ، وروي عن عبيد بن عمير أن الله عمى على الناس حينئذ أثرهم ، وحجبهم عنهم ، فلذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلماً لهم .