{ فَإِنْ خِفْتُمْ }{[148]} لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع ، وغير ذلك من أنواع المخاوف ، أي : إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها { رِجَالًا } أي : ماشين على أقدامكم ، { أَوْ رُكْبَانًا } على الخيل والإبل وغيرها ، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط ، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة ، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي : زال الخوف عنكم { فَاذْكُرُوا اللَّهَ } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة ، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها .
والفاء في قوله : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } للتفريع أي : حافظوا على الصلاة في كل وقت ، وأدوها بخشوع واطمئنان ، فإن كان بكم خوف من عدو في حال المقاتلة في الحرب أو من غيره لسبب من الأسباب ، فصلوا رجلين أي ماشين على الأقدام ، أو راكبين على ركائبكم بإيماء ، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا .
و ( رجالا ) جمع راجل . وهو القوى على المشي برجليه . يقال : رَجل الإِنسان يرجل رجلا إذا لم يحد ما يركبه ومشى على قدميه ، والركابن جمع راكب للجمل أو الفرس أو غيرهما .
وجواب الشرط محذوف والتقدير : فإن خفتم فصلوا رجلين أو راكبين ، وهذان اللفظان أي - رجالا أو ركباناً - حالان من الضمير في " فصلوا " المحذوف .
والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإِسلام بشأن الصلاة ، فقد أمر الله - تعالى - عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف ، والصحة والمرض ، والسفر والإِقامة .
وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإِمام محمد عبده فقال ما ملخصه : وقوله - تعالى - : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة ، وبيان أنها لا تسقط بحال ، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذراً في ترك الصيام . . والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي ، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات ، وهو تذكر سلطان الله - تعالى - المستولي علينا وعلى العالم كله ، ومن شأن الإِنسان إذا أراد عملا قلبياً يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما ينسابه من قول وعمل .
ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله - تعالى - للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك " الله أكبر " في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فبها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور يكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك ، ويستولي على إرادتك . . وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة .
فإذا تعذر عليك الإِتيان ببعض تلك الأعمال البدنية ؛ فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها ، وهي الإِقبال على الله - تعالى - واستحضار سلطانه ، مع الإِشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإِمكان الذي لا يمنع من مدافعه الخوف الطارئ من سبع مفترس ، أو عدو مغتال ، أو لص محتال . . فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال . . "
وقال الإِمام ابن العربي : قوله - تعالى - { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } أمر الله - تعالى - بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض ، وحضر وسفر ، وقدرة وعجز ، وخوف وأمن ، لا تسقط عن المكلف بحال ، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن ، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإِشارة بالعين للزم فعليها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح ، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات ، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار ، ولذلك قال علماؤنا : " إن تارك الصلاة يقتل ، لأنها أشبهت الإِيمان الذي لا يسقط بحال ، ولا تجوز النيابة فيها ببد ولا مال " .
ثم قال - تعالى - : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين ، { فاذكروا الله } أي فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد من الله - تعالى - عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرماً .
وعبر - سبحانه - " بإن " المفيدة للشك في حالة الخوف ، وبإذا المفيدة للتحقيق في حالة الأمن ، للإِشعار بأن حالة الأمن هي الحالة الكثيرة الثابتة ، وأن حالة الخوف هي الحالة القليلة الطارئة ، وفي ذلك فضل جزيل من الله - تعالى - على عباده يحملهم على شكره وطاعته ، حيث وهبهم الأمان والاطمئنان في أغلب أوقات حياتهم .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد أمرتا المسلم بأن يحافظ على الصلاة محافظة تامة ، إذ في هذه المحافظة سعادة للإِنسان ، ودافع له على أداء الحقوق لأربابها ، وزاجر له عن اقتراف ما نها الله عنه .
( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )
فأما إذا كان الخوف الذي لا يدع مجالا لإقامة الصلاة تجاه القبلة ، فإن الصلاة تؤدي ولا تتوقف . يتجه الراكب على الدابة والراجل المشغول بالقتال ودفع الخطر حيث يقتضيه حاله ، ويومىء إيماءة خفيفة للركوع والسجود . وهذه غير صلاة الخوف التي بين كيفيتها في سورة النساء . فالمبينة في سورة النساء تتم في حالة ما إذا كان الموقف يسمح بإقامة صف من المصلين يصلي ركعة خلف الإمام بينما يقف وراءه صف يحرسه . ثم يجيء الصف الثاني فيصلي ركعة بينما الصف الأول الذي صلى أولا يحرسه . . أما إذا زاد الخوف وكانت الموقعة والمسايفة فعلا ، فتكون الصلاة المشار إليها هنا في سورة البقرة .
وهذا الأمر عجيب حقا . وهو يكشف عن مدى الأهمية البالغة التي ينظر الله بها إلى الصلاة ، ويوحي بها لقلوب المسلمين . إنها عدة في الخوف والشدة . فلا تترك في ساعة الخوف البالغ ، وهي العدة . ومن ثم يؤديها المحارب في الميدان ، والسيف في يده ، والسيف على رأسه . يؤديها فهي سلاح للمؤمن كالسيف الذي في يده . وهي جنة له كالدرع التي تقيه . يؤديها فيتصل بربه أحوج ما يكون للإتصال به ، وأقرب ما يكون إليه والمخافة من حوله . .
إن هذا الدين عجيب . إنه منهج العبادة . العبادة في شتى صورها والصلاة عنوانها ، وعن طريق العبادة يصل بالإنسان إلى أرفع درجاته . وعن طريق العبادة يثبته في الشدة ، ويهذبه في الرخاء . وعن طريق العبادة يدخله في السلم كافة ويفيض عليه السلام والاطمئنان . . ومن ثم هذه العناية بالصلاة والسيوف في الأيدي وفي الرقاب !
فإذا كان الأمن فالصلاة المعروفة التي علمها الله للمسلمين ، وذكر الله جزاء ما علمهم ما لم يكونوا يعلمون :
( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . .
وماذا كان البشر يعلمون لولا أن علمهم الله ؟ ولولا أن يعلمهم في كل يوم وفي كل لحظة طوال الحياة ؟ !
القول في تأويل قوله تعالى : ( فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له لما قد بيناه من معناه ، فإن خفتم من عدو لكم ، أيها الناس ، تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم أن تصلوا قياما على أرجلكم بالأرض قانتين لله ، فصلوا " رجالا " ، مشاة على أرجلكم ، وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم " أو ركبانا " ، على ظهور دوابكم ، فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم ، قانتين .
ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك ، جاز نصب " الرجال " بالمعنى المحذوف . وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة ، لأن ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله . ويبين ذلك أنهم يقولون : " إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا " ، بمعنى : إن تفعل خيرا تصب خيرا ، وإن تفعل شرا تصب شرا ، فيعطفون الجواب على الأول لانجزام الثاني بجزم الأول . فكذلك قوله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، بمعنى : إن خفتم أن تصلوا قياما بالأرض ، فصلوا رجالا .
" والرجال " جمع " راجل " و " رجل " ، وأما أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد " الرجال " " رجل " ، مسموع منهم : " مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا " ، وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم " رجلان " ، كما قال بعض بني عقيل :
على إذا أبصرت ليلى بخلوة *** أن ازدار بيت الله رجلان حافيا
فمن قال " رجلان " للذكر ، قال للأنثى " رجلى " ، وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال : " أتى القوم رجالى ورجالى " مثل " كسالى وكسالى " .
وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك : " فإن خفتم فرجالا " مشددة . وعن بعضهم أنه كان يقرأ : " فرجالا " ، وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا ، لخلافها القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين .
وأما " الركبان " ، فجمع " راكب " ، يقال : " هو راكب ، وهم ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب " ، يقال : " جاءنا أركوب من الناس وأراكيب " .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
5535- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : سألته عن قوله : " فرجالا أو ركبانا " ، قال : عند المطاردة ، يصلى حيث كان وجهه ، راكبا أو راجلا ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ويصلي ركعتين يومئ إيماء .
5536- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا سفيان ، عن مغيرة عن إبراهيم في قوله : " فرجالا أو ركبانا " قال : صلاة الضراب ركعتين ، يومئ إيماء .
5537- حدثني أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قوله : " فرجالا أو ركبانا " ، قال : يصلي ركعتين حيث كان وجهه ، يومئ إيماء .
5538- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير . " فرجالا أو ركبانا " ، قال : إذا طردت الخيل فأومئ إيماء .
5539- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن مالك ، عن سعيد قال : يومئ إيماء .
5540- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن : " فرجالا أو ركبانا " ، قال : إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه ، يومئ إيماء .
5541- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في القتال على الخيل ، فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا ، أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه .
5542- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : أو راكبا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال أيضا : أو راكبا ، أو ما قدر أن يومئ برأسه وسائر الحديث مثله .
5543- حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : إذا التقوا عند القتال وطلبوا أو طلبوا أو طلبهم سبع ، فصلاتهم تكبيرتان إيماء ، أي جهة كانت .
5544- حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " رجالا أو ركبانا " ، قال : ذلك عند القتال ، يصلي حيث كان وجهه ، راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع ، فليصل ركعة ، يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين .
5545- حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : ركعة وأنت تمشي ، وأنت يوضع بك بعيرك ويركض بك فرسك ، على أي جهة كان .
5546- حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، أما " رجالا " فعلى أرجلكم ، إذا قاتلتم ، يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه ، والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه .
5547- حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، الآية ، أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال ، أن تصلي وأنت راكب ، وأنت تسعى ، تومئ برأسك من حيث كان وجهك ، إن قدرت على ركعتين ، وإلا فواحدة .
5548- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : ذاك عند المسايفة .
5549- حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري في قوله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : إذا طلب الأعداء فقد حلَّ لهم أن يصلوا قِبَل أي جهة كانوا ، رجالا أو ركبانا ، يومئون إيماء ركعتين وقال قتادة : تجزي ركعة .
5550- حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين ، راكبا كان أو راجلا .
5551- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فإن خفتم فرجالا أو راكبانا " ، قال : يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته وعلى راحلته حيث كان جهه ، يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود ، ولكن السجود أخفض من الركوع . فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا ، هذا في المطاردة .
5552- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي قال : كان قتادة يقول : إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة ، يومئ إيماء ، إن شاء راكبا أو راجلا قال الله تعالى ذكره : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " .
5553- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن الحسن قال ، في الخائف الذي يطلبه العدو ، قال : إن استطاع أن يصلي ركعتين ، وإلا صلى ركعة .
5554- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا معاذ عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن يونس ، عن الحسن قال : ركعة .
5555- حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة ، فقالوا : ركعة .
5556- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة ، عن صلاة المسايفة ، فقالوا : يومئ إيماء حيث كان وجهه .
5557- حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن حماد والحكم وقتادة : أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة ، فقالوا : ركعة حيث وجهك .
5558- حدثني أبو السائب قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار قال : سألت ابن سيرين عن صلاة المنهزم فقال : كيف استطاع .
5559- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن غراب قال : كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان ، فحضرت الصلاة فقالوا : الصلاة ، الصلاة ! فقال هرم : يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة . قال : ونحن مستقبلو المشرق .
5560- حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي نضرة قال : كان هرم بن حيان على جيش ، فحضروا العدو فقال : يسجد كل رجل منكم تحت جنته حيث كان وجهه سجدة ، أو ما استيسر فقلت لأبي نضرة : ما " ما استيسر " ؟ قال : يومئ .
5561- حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا أبو مسلمة ، عن أبي نضرة قال ، حدثني جابر بن غراب قال : كنا مع هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق ، فحضرت الصلاة فقالوا : الصلاة ! فقال : يسجد الرجل تحت جنته سجدة .
5562- حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، قال : تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا ، وحيث توجهت بك دابتك ، تومئ إيماء للمكتوبة .
5563- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ، حدثنا هبة بن الوليد قال ، حدثنا المسعودي قال ، حدثني يزيد الفقير ، عن جابر بن عبد الله قال : صلاة الخوف ركعة .
5564- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري ، عن عبد الملك ، عن عطاء في هذه الآية قال : إذا كان خائفا صلى على أي حال كان . .
5565- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال مالك- وسألته عن قول الله : " فرجالا أو ركبانا " - قال : راكبا وماشيا ، ولو كانت إنما عنى بها الناس ، لم يأت إلا " رجالا " وانقطعت الآية . إنما هي " رجال " : مشاة ، وقرأ : ( يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ) قال : يأتون مشاة وركبانا .
قال أبو جعفر : الخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا الخوف على المهجة عند السلة والمسايفة في قتال من أمر بقتاله ، من عدو للمسلمين ، أو محارب ، أو طلب سبع ، أو جمل صائل ، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه .
وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن ، فإنه إذا كان ذلك كذلك ، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه ، يومئ إيماء لعموم كتاب الله : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع ، بعد أن يكون الخوف ، صفته ما ذكرت .
وإنما قلنا إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك ، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها ، وذلك حال شدة الخوف ، لأن :
5566- محمد بن حميد وسفيان بن وكيع حدثاني قالا حدثنا جرير ، عن عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف : يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة ، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو . ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم ، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا ، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة . ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته ، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه ، وإن كان خوف أشد من ذلك " فرجالا أو ركبانا " .
5567- حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثني أبي قال ، حدثنا ابن جريح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر ، وأشارة بالرأس . قال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن كانوا أكثر من ذلك ، فيصلون قياما وركبانا " .
ففصل النبي بين حكم صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة ، وبين حكم صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة ، على ما روينا عن ابن عمر . فكان معلوما بذلك أن قوله تعالى ذكره : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ، إنما عنى به الخوف الذي وصفنا صفته .
وبنحو الذي روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روى عن ابن عمر أنه كان يقول :
5568- حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : في صلاة الخوف : يصلى بطائفة من القوم ركعة ، وطائفة تحرس . ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم . ثم يحيي أولئك فيصلي بهم ركعة ، ثم يسلم ، وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة . قال : فإن كان خوف أشد من ذلك " فرجالا أو ركبانا " .
وأما عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة ، فإني أحب أن لا يقصر من عددها في حال الأمن . وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة ، رأيتها مجزئة ، لأن : -
5569- بشر بن معاذ حدثني قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن بكر بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة .
القول في تأويل قوله : فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : " فإذا أمنتم " ، أيها المؤمنون ، من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم- ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم- فاطمأننتم ، " فاذكروا الله " في صلاتكم وفي غيرها بالشكر له والحمد والثناء عليه ، على ما أنعم به عليكم من التوفيق لإصابة الحق الذي ضل عنه أعداؤكم من أهل الكفر بالله ، كما ذكركم بتعليمه إياكم من أحكامه ، وحلاله وحرامه ، وأخبار من قبلكم من الأمم السالفة ، والأنباء الحادثة بعدكم- في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ، التي جهلها غيركم وبصركم ، من ذلك وغيره ، إنعاما منه عليكم بذلك ، فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون .
وكان مجاهد يقول في قوله : " فإذا أمنتم " ، ما :
5570- حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : " فإذا أمنتم " ، قال : خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة .
وبمثل الذي قلنا من ذلك قال ابن زيد :
5571- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " فإذا أمنتم فاذكروا الله " ، قال : فإذا أمنتم فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم- إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة .
وقوله ها هنا : " فاذكروا الله " ، قال : الصلاة ، " كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرنا عن مجاهد ، قول غيره أولى بالصواب منه ، لإجماع الجميع على أن الخوف متى زال ، فواجب على المصلي المكتوبة- وإن كان في سفر- أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها ، وقائما بالأرض غير ماش ولا راكب ، كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده ، إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره . ولم يجر في هذه الآية للسفر ذكر ، فيتوجه قوله : " فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " ، إليه . وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الأمن ، وحال شده الخوف ، فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما . ثم قال : " فإذا أمنتم " فزال الخوف ، فأقيموا صلاتكم وذكري فيها وفي غيرها ، مثل الذي أوجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف .
وبعد ، فإن كان جرى للسفر ذكر ، ثم أراد الله تعالى ذكره تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم ، لقال : فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ولم يقل : " فإذا أمنتم " .
وفي قوله تعالى ذكره : " فإذا أمنتم " ، الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه ، وخلاف قول مجاهد .
{ فإن خفتم } من عدو أو غيره . { فرجالا أو ركبانا } فصلوا راجلين أو راكبين ورجالا جمع راجل أو رجل بمعناه كقائم وقيام ، وفيه دليل على وجوب الصلاة حال المسايفة وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلى حال المشي والمسايفة مالم يمكن الوقوف . { فإذا أمنتم } وزال خوفكم . { فاذكروا الله } صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن { كما علمكم } ذكرا مثل ما علمكم من الشرائع وكيفية الصلاة حالتي الخوف والأمن . أو شكرا يوازيه وما مصدرية أو موصولة . { ما لم تكونوا تعلمون } مفعول علمكم .
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( 239 )
أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة بحالة قنوت ، وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح ، وهذا على الحالة الغالبة من الأمن والطمأنينة . ثم ذكر تعالى حالة الخوف الطارئة أحياناً ، فرخص لعبيده في الصلاة رجالاً متصرفين على الأقدام ، و { ركباناً } على الخيل والإبل( {[2325]} ) ، ونحوه إيماء وإشارة بالرأس حيث ما توجه ، هذا قول جميع العلماء وهذه هي صلاة الفذ الذي قد ضايقه الخوف على نفسه في حال المسايفة أو من سبع يطلبه أو عدو يتبعه أو سيل يحمله ، وبالجملة فكل أمر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته هذه الآية ، وأما صلاة الخوف بالإمام وانقسام الناس فليس حكمها في هذه الآية( {[2326]} ) ، وفرق مالك رحمه الله بين الخوف ، العدو المقاتل وبين خوف السبع ونحوه بأن استحب في غير خوف العدو الإعادة في الوقت إن وقع الأمن ، وأكثر فقهاء الأمصار على أن الأمر سواء ، وقوله تعالى { فرجالاً } هو جمع راجل أو رجل من قولهم رجل الإنسان يرجل رجلاً إذا عدم المركب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل ، ورجُل بضم الجيم وهي لغة أهل الحجاز ، يقولون مشى فلان إلى بيت الله حافياً رجُلاً ، حكاه الطبري وغيره ورجلان ورجيل ، ورجل وأنشد ابن الأعرابي في رجلان : [ الطويل ]
عليَّ إذا لاقيت ليلى بخلوة . . . أن ازدار بيت الله رجلان حافيا( {[2327]} )
ويجمع على رِجال ورجيلى ورُجَالى ورُجَّالى ورَجَّالة ورُجَّال ورَجَالي ورُجْلان وَرَجْلة ورِجْلة ورِجَلة بفتح الجيم وأرجِلة وأراجلِ وأراجيل ، والرجل الذي هو اسم الجنس يجمع أيضاً على رجال ، فهذه الآية وقوله تعالى : { يأتوك رجالاً }( {[2328]} ) [ الحج : 27 ] هما من لفظ الرجلة أي عدم المركوب ، وقوله تعالى { شهيدين من رجالكم }( {[2329]} ) [ البقرة : 282 ] فهو جمع اسم الجنس المعروف ، وحكى المهدوي عن عكرمة وأبي مجلز أنهما قرآ " فرُجَّلاً " ، بضم الراء وشد الجيم المفتوحة ، وعن عكرمة أيضاً أنه قرأ " فرُجَالاً " بضم الراء وتخفيف الجيم ، وحكى الطبري عن بعضهم أنه قرأ " فرُجَّلاً " دون ألف على وزن فعل بضم الفاء وشد العين( {[2330]} ) ، وقرأ جمهور القراء " أو ركباناً «وقرأ بديل بن ميسرة »( {[2331]} ) " فرجالاً فركباناً " بالفاء ، والركبان جمع راكب ، وهذه الرخصة في ضمنها بإجماع من العلماء أن يكون الإنسان حيث ما توجه من السموت( {[2332]} ) ، ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه . واختلف الناس كم يصلى من الركعات . فمالك رحمه الله وجماعة من العلماء لا يرون أن ينقص من عدد الركعات شيئاً ، بل يصلي المسافر ركعتين ولا بد . قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وغيرهما : يصلي ركعة إيماء . وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .
وقال الضحاك بن مزاحم : يصلي صاحب خوف الموت في المسايفة وغيرها ركعة ، فإن لم يقدر فليكبر تكبيرتين ، وقال إسحاق بن راهويه : فإن لم يقدر إلا على تكبيرة واحدة أجزأت عنه ، ذكره ابن المنذر( {[2333]} ) .
واختلف المتألون في قوله تعالى : { فإذا أمنتم فاذكروا الله } الآية ، فقالت فرقة : المعنى فإذا زال خوفكم الذي أجاءكم( {[2334]} ) إلى هذه الصلاة فاذكروا الله بالشكر على هذه النعمة في تعليمكم هذه الصلاة التي وقع بها الإحزاء ولم تفتكم صلاة من الصلوات ، وهذا هو الذي لم يكونوا يعلمونه وقالت فرقة : المعنى فإذا كنتم آمنين قبل أو بعد ، كأنه قال : فمتى كنتم على أمن فاذكروا الله ، أي صلوا الصلاة التي قد علمتموها ، أي فصلوا كما علمكم صلاة تامة ، حكاه النقاش وغيره .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وقوله على هذا التأويل { ما لم تكونوا } بدل من { ما } التي في قوله { كما } ، وإلا لم يتسق لفظ الآية ، وعلى التأويل الأول { ما } مفعولة ب { علمكم } ، وقال مجاهد : «معنى قوله { فإذا أمنتم } ، فإذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة »( {[2335]} ) ، ورد الطبري على هذا القول( {[2336]} ) ، وكذلك فيه تحويم على المعنى كثير ، والكاف في قوله { كما } للتشبيه بين ذكر الإنسان لله ونعمة الله عليه في أن تعادلا ، وكان الذكر شبيهاً بالنعمة في القدر وكفاء لها ، ومن تأول { اذكروا } بمعنى صلوا على ما ذكرناه فالكاف للتشبيه بين صلاة العبد والهيئة التي علمه الله .
تفريع على قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] للتنبيه على أن حالة الخوف لا تكون عذراً في ترك المحافظة على الصلوات ، ولكنها عذر في ترك القيام لله قانتين ، فأفاد هذا التفريع غرضين : أحدهما بصريح لفظه ، والآخر بلازم معناه .
والخوف هنا خوف العدو ، وبذلك سميت صلاة الخوف ، والعرب تسمي الحرب بأسماء الخوف فيقولون الرَّوْع ويقولون الفَزَع ، قال عمرو بن كلثوم :
* وتحملنا غداة الروع جرد * البيت .
ونسوتكم في الروع باد وجوهها *** يُخَلْنَ إماءً والإماء حرائر
وفي الحديث : « إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع » ولا يعرف إطلاق الخوف على الحرب قبل القرآن قال تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } [ البقرة : 155 ] . والمعنى : فإن حاربتم أو كنتم في حرب ، ومنه سمى الفقهاء صلاة الخوف الصلاة التي يؤديها المسلمون وهم يصافون العدو في ساحة الحرب وإيثار كلمة الخوف في هذه الآية لتشمل خوف العدو وخوف السباع وقطاع الطريق ، وغيرها .
و { رجالاً } جمع راجل كالصحاب و { ركباناً } جمع راكب وهما حالان من محذوف أي فصلوا رجالاً أو ركباناً وهذا في معنى الاستثناء من قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] لأن هاته الحالة تخالف القنوت في حالة الترجل ، وتخالفهما معاً في حالة الركوب . والآية إشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها الخشوع ، لأنها تكون مع الاشتغال بالقتال ولا يشترط فيها القيام .
وهذا الخوف يسقط ما ذكر من شروط الصلاة ، وهو هنا صلاة الناس فرادى ، وذلك عند مالك إذا اشتد الخوف وأظلهم العدو ولم يكن حصن بحيث تتعذر الصلاة جماعة مع الإمام ، وليست هذه الآية لبيان صلاة الجيش في الحرب جماعة المذكورة في سورة النساء ، والظاهر أن الله شرع للناس في أول الأمر صلاة الخوف فرادى على الحال التي يتمكنون معها من مواجهة العدو ، ثم شرع لهم صلاة الخوف جماعة في سورة النساء ، وأيضاً شملت هذه الآية كل خوف من سباع أو قطاع طريق أو من سيل الماء ، قال مالك : وتستحب إعادة الصلاة ، وقال أبو حنيفة : يصلون كما وصف الله ويعيدون ، لأن القتال في الصلاة مفسد عنده .
وقوله : { فإذا أمنتم فاذكروا الله } أراد الصلاة أي ارجعوا إلى الذكر المعروف . وجاء في الأمن بإذا وفي الخوف بإن بشارة للمسلمين بأنهم سيكون لهم النصر والأمن .
وقوله : { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } الكاف للتشبيه أي اذكروه ذكراً يشابه ما من به عليكم من علم الشريعة في تفاصيل هذه الآيات المتقدمة ، والمقصود من المشابهة المشابهة في التقدير الاعتباري ، أي أن يكون الذكر بنية الشكر على تلك النعمة والجزاء ، فإن الشيء المجازى به شيء آخر يعتبر كالمشابه له ، ولذلك يطلق عليه اسم المقدار ، وقد يسمون هذه الكاف كاف التعليل ، والتعليل مستفاد من التشبيه ، لأن العلة على قدر المعلول .