فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون 239

( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) الخوف هو الفزع ، والرجال جمع رجل أو راجل من قولهم رجل الإنسان يرجل رجلا إذا عدم المركوب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل ، يقول أهل الحجاز مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا حكاه ابن جرير الطبري وغيره ، ويجمع على رجل ورجالة{[238]} ، فالراجل بمعنى الماشي له ثلاثة جموع ، والركبان جمع راكب قيل لا يطلق إلا على راكب الإبل ، ويقال لمن ركب الحمار والبغل حمار وبغال والأجود صاحب حمار وبغل ، وهذا بحسب اللغة ، والمراد بها هنا ما يعم الكل .

لما ذكر الله سبحانه الأمر بالمحافظة على الصلوات ، ذكر حالة الخوف أنهم يصنعون فيها ما يمكنهم ويدخل تحت طوقهم من المحافظة على الصلاة بفعلها حال الترجل وحال الركوب ، وأبان لهم أن هذه العبادة لازمة في كل الأحوال بحسب الإمكان .

وقد اختلف أهل العلم في حد الخوف المبيح لذلك ، والبحث مستوفى في كتب الفروع ، قال ابن عباس : يصلي الراكب على دابته والرجل على رجليه ، وعن جابر بن عبد الله قال : إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه حيث كان وجهه فذلك قوله ( فرجالا أو ركبانا ) .

والمعنى إن لم يمكنكم أن تصلوا قانتين موفين حقوق الصلاة من إتمام الركوع والسجود والخضوع والخشوع لخوف عدو أو غيره فصلوا مشاة على أرجلكم أو ركبانا على دوابكم ، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، وهذا في حال المقاتلة والمسايفة في وقت الحرب .

وصلاة الخوف قسمان ( أحدهما ) أن يكون في حال القتال وهو المراد بهذه الآية ، وقسم في غير حال القتال وهو المذكور في سورة النساء في قوله ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) وسيأتي الكلام عليه في موضعه{[239]} .

وفي إيراد هذه الشرطية بكلمة " إن " المنبئة عن عدم تحقق وقوع الخوف وقلته ، وفي ايراد الشرطية الثانية بكلمة " إذا " المنبئة عن تحقق وقوع المن وكثرته مع الإيجاز في جواب الأولى ، والإطناب في " جواب : الثانية من الجزالة ولطف الاعتبار ما فيه عبرة لأولى الأبصار .

( فإذا أمنتم ) أي إذا زال خوفكم بعد وجوده أو لم يكن أصلا فارجعوا إلى ما أمرتم به اتمام الصلاة مستقبلين القبلة ، قائمين بجميع شروطها وأركانها وهو قوله ( فاذكروا الله ) وقيل معنى الآية خرجتم من دار السفر الى دار الإقامة وهو خلاف معنى الآية ( كما علمكم ) أي ذكرا مثل ما علمكم من الشرائع أن يصلي الراكب على دابته ، والرجل على رجليه ، والكاف صفة لمصدر محذوف .

أي ذكرا كائنا كتعليمه إياكم ( ما لم تكونوا تعلمون ) فيه إشارة إلى إنعام الله تعالى علينا بالعلم ، ولولا تعليمه إيانا لم نعلم شيئا ولم نصل إلى معرفة شيء فله الحمد على ذلك .


[238]:الراجل: خلاف الفارس، والجمع رجل مثل صاحب وصحب، ورجالة( راجع معجم الصحاح للجوهري، باب اللام فصل الراء4/1705 ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار).
[239]:روى الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم ان المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يصلون جميعا ندموا إلا كانوا اكبوا عليهم، فقال بعضهم لبعض:دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب اليهم من آبائهم وابنائهم يعني صلاة العصر،فإذا قاموا فيها فشدوا عليهم فاقتلوهم، فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عز وجل يقول( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) فعلمه صلاة الخوف. وعن جابر قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين خلفه. والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ثم ركعنا وركعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف الآخر في نحر العدو. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود بالصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا". رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي.