التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

وقوله : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) ذلك بيان لحال الصلاة والمصلين في ساعات الخوف والفزع إذا همهم العدوّ أو كانوا معه في تلاحم وقتال .

والرجال جمع مفرده راجل أو رجل وهو الإنسان إذا عدم المركوب ومشى على قدميه . وعكس الرجال الركبان ، وهو جمع مفرده الراكب ، سواء كان المركوب من الخيل أو الإبل أو غير ذلك من المطايا أو ما كان من مستحدثات العصر كالسيارة أو الطيارة أو السفينة ونحو ذلك ، والمراد أن الصلاة حين الخوف من العدو أو غيره لا مناص من أدائها ولا مجال للاعتذار عنها مهما تكن الظروف ومهما اشتدت الخطوب أو ادلهمّت . فإذا كان المسلم في ساعات الخوف ، والتحم مع العدو التحاما جاز له أن يصلي ماشيا على قدميه أو راكبا ، مستقبل القبلة أو مستدبرها . فقد كان عبد الله بن عمر إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم أو ركبانا ، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ، وهو ما رواه البخاري وفي رواية أخرى لمسلم عنه : فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء .

وجاء عن عبد الله بن عباس قال في هذه الآية : يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه .

وجاء عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال : إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه إيماء حيث كان وجهه فذلك قوله : ( فرجالا أو ركبانا ) .

وقال الأوزاعي في ذلك كلاما جيدا وهو : إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء ، كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، فإن لم يقدروا لا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا .

على أن سبب الخوف الذي رخّص فيه للمسلم أن يصلّي راجلا أو راكبا مستقبل القبلة أو مستدبرها ، فموضع خلاف للعلماء ، فقد ذهب الشافعي إلى أنه الخوف الذي سببه العدو . فإذا أطل العدو على المسلمين حتى تراؤوا فيما بينهم ، أو جاءهم من يخبرهم بأن العدو قريب منهم وكان المخبر مصدوقا وموثوقا به جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف التي تضمنتها هذه الآية .

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن سبب الخوف يستوي فيه أن يكون عدوا أو حيوانا مخوفا يريد أن يفترسه ، أو سارقا أو متلصصا يريد سلبه وقتله . فإن ذلك كله يبيح للخائف أن يصلي صلاة الخوف المذكورة ، وهو الذي نرجحه ونميل إليه استنادا إلى الظاهر من مطلق الآية التي لم تتقيد بسبب من أسباب الخوف .

وقوله : ( فإذا آمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) أي إذا زال الخوف واطمأننتم وجب عليكم أن تذكروا الله بأداء الصلاة على وجهها الأكمل بما فيها من قيام وركوع وسجود وقعود وخشوع ، وعليكم كذلك أن تبادروا بالشكر لله الذي هداكم لدينه ، وعلمكم من الأحكام ما لم تكونوا تعلمونه من قبل ، وشرع لكم من التيسير والتسهيل ما يدرأ عنكم كل حرج{[327]} .


[327]:- تفسير ابن كثير جـ 1 ص 294-296 وتفسير القرطبي جـ 3 ص 214- 225.