الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (239)

{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً } أي رجّالة ، ويقال : راجل ورجال مثل صاحب وصحاب وصائم وصيام وقائم وقيام ، قال الله تعالى { يَأْتُوكَ رِجَالاً } [ الحج : 27 ] قال الأخطل :

وبنو غدانة شاخص أبصارهم *** يمشون تحت بطونهنّ رجالا

يروى أنهم أحنوا مأسورين وأبصارهم شاخصة إلى ولْدهم { أَوْ رُكْبَاناً } على دوابّهم ، وهو جمع راكب ، قال المفضل : لا يقال راكب إلاّ لصاحب الجمل ، فأمّا صاحب الفرس فيقال له فارس ، ولراكب الحمار الحمّار ، ولراكب البغال بغّال ، ونصبت على الحال ، أي فصلّوا رجالا أو ركباناً .

ومعنى الآية : فإن لم يمكنكم أن تصلّوا قانتين موفين الصلاة حقّها لخوف فصلّوا رجالا أي مشاة على أرجلكم ، أو ركباناً على ظهور دوابّكم ، فإن ذلك يجزيكم .

قال المفسرون : هذا في المسابقة والمطاردة ، يصلّي حيث يولي وجهه ، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها ، راكباً أو راجلا ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، يومئ إيماء ، وهذه صلاة شدّة خوف ، والصلاة في حال الخوف على ضربين ، وسنذكرها في سورة النساء ، وصلاة شدّة الخوف وهي هذه ، والخوف الذي يجوز للمصلّي أن يصلي من أجله راكباً أو [ راجلا ] وحيث ما كان وجهته هو المحاربة والمسابقة في قتال من أُسر بقتال من عدوّ أو محارب أو خوف سبع هائج ، أو جمل صائل ، أو سيل سائل ، أو كان الأغلب من شأنه الهلاك ، وإن صلّى صلاة الأمن فله أن يصلي صلاة شدة الخوف وهي ركعتان ، فإن صلاّها ركعة واحدة جاز لما روى مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله عزّ وجلّ الصلاة على لسان نبيّكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة .

وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال ، والتقى الزحفان ، وضرب الناس بعضهم بعضاً فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، واذكر الله ، فتلك صلاتك . قال الزهري : فإن لم يستطع فلا يدع ذكرها في نفسه . { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ } أي فصلوا الصلوات الخمس تامّة لحقوقها { كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ *