{ 128 } { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى }
أي : أفلم يهد هؤلاء المكذبين المعرضين ، ويدلهم على سلوك طريق الرشاد ، وتجنب طريق الغي والفساد ، ما أحل الله بالمكذبين قبلهم ، من القرون الخالية ، والأمم المتتابعة ، الذين يعرفون قصصهم ، ويتناقلون أسمارهم ، وينظرون بأعينهم ، مساكنهم من بعدهم ، كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم ، وأنهم لما كذبوا رسلنا ، وأعرضوا عن كتبنا ، أصبناهم بالعذاب الأليم ؟
فما الذي يؤمن هؤلاء ، أن يحل بهم ، ما حل بأولئك ؟ { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر* أم يقولون نحن جميع منتصر } لا شيء من هذا كله ، فليس هؤلاء الكفار ، خيرا من أولئك ، حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم ، بل هم شر منهم ، لأنهم كفروا بأشرف الرسل وخير الكتب ، وليس لهم براءة مزبورة وعهد عند الله ، وليسوا كما يقولون أن جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم ، بل هم أذل وأحقر من ذلك ، فإهلاك القرون الماضية بذنوبهم ، من أسباب الهداية ، لكونها من الآيات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاءوهم ، وبطلان ما هم عليه ، ولكن ما كل أحد ينتفع بالآيات ، إنما ينتفع بها أولو النهى ، أي : العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي .
ثم وبخ - سبحانه - أولئك الذين لم ينتفعوا بآياته فقال : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ . . . } .
والهمزة للاستفهام الإنكارى التوبيخى ، والفاء للعطف على مقدر . . .
والمعنى : أبلغت الغفلة والجهالة بهؤلاء المشركين ، أنهم لم يتبين لهم ، أننا أهلكنا كثيرا من أهل القرون الماضية ، الذين كانوا يمشون آمنين لاهين فى مساكنهم . . .
وكان إهلا كنا لهم بسبب إيثارهم الكفر على الإيمان ، والغى على الرشد ، والعمى على الهدى . . .
فالآية الكريمة تقريع وتوبيخ لكفار مكة الذين لم يعتبروا بما أصاب أمثالهم من الأمم السابقة ، كقوم نوح وعاد وثمود . . .
قال الآلوسى : وقوله : { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } حال من { القرون } أو من مفعول { أَهْلَكْنَا } أى : أهلكناهم وهم فى حال آمن وتقلب فى ديارهم . واختار بعضهم كونه حالا من الضمير فى { لَهُمْ } مؤكدا للإنكار والعامل فيه { يَهْدِ } . أى : أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين فى مساكنهم من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر ، وثمود ، وقوم لوط ، مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى بلاد الشام وغيرها .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى } تذييل قصد به تعليل الإنكار ، أى : إن فى ذلك الذى أخبرناهم به ، وأطلعناهم عليه من إهلاك المكذبين السابقين ، { لآيَاتٍ } عظيمة ، وعبر كثيرة ، ودلائل واضحة لأصحاب العقول السليمة ، التى تنهى أصحابها عن القبائح والآثام .
والنهى : جمع نُهية - بضم النون وإسكان الهاء - سمى العقل بها لنهيه عن القبائح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.