المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

5- انْسِبُوا هؤلاء الأولاد لآبائهم الحقيقيين هو أعدل عند الله ، فإن لم تعلموا آباءهم المنتسبين بحق إليهم فهم إخوانكم في الدين ونصراؤكم ، ولا إثم عليكم حين تنسبونهم إلى غير آبائهم خطأ ، ولكن الإثم فيما تقصده قلوبكم بعد أن تبيَّن لكم الأمر . والله يغفر لكم خطأكم ، ويقبل توبة متعمدكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } والأدعياء ، الولد الذي كان الرجل يدعيه ، وهو ليس له ، أو يُدْعَى إليه ، بسبب تبنيه إياه ، كما كان الأمر بالجاهلية ، وأول الإسلام .

فأراد اللّه تعالى أن يبطله ويزيله ، فقدم بين يدي ذلك بيان قبحه ، وأنه باطل وكذب ، وكل باطل وكذب ، لا يوجد في شرع اللّه ، ولا يتصف به عباد اللّه .

يقول تعالى : فاللّه لم يجعل الأدعياء الذين تدعونهم ، أو يدعون إليكم ، أبناءكم ، فإن أبناءكم في الحقيقة ، من ولدتموهم ، وكانوا منكم ، وأما هؤلاء الأدعياء من غيركم ، فلا جعل اللّه هذا كهذا .

{ ذَلِكُمْ } القول ، الذي تقولون في الدعي : إنه ابن فلان ، الذي ادعاه ، أو والده فلان { قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } أي : قول لا حقيقة له ولا معنى له .

{ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } أي : اليقين والصدق ، فلذلك أمركم باتباعه ، على قوله وشرعه ، فقوله ، حق ، وشرعه حق ، والأقوال والأفعال الباطلة ، لا تنسب إليه بوجه من الوجوه ، وليست من هدايته ، لأنه لا يهدي إلا إلى السبيل المستقيمة ، والطرق الصادقة .

وإن كان ذلك واقعًا بمشيئته ، فمشيئته عامة ، لكل ما وجد من خير وشر .

ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى ، المتضمنة للقول الباطل فقال : { ادْعُوهُمْ } أي : الأدعياء { لِآبَائِهِمْ } الذين ولدوهم { هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } أي : أعدل ، وأقوم ، وأهدى .

{ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ } الحقيقيين { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي : إخوتكم في دين اللّه ، ومواليكم في ذلك ، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة ، والموالاة على ذلك ، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم ، لا يجوز فعلها .

وأما دعاؤهم لآبائهم ، فإن علموا ، دعوا إليهم ، وإن لم يعلموا ، اقتصر على ما يعلم منهم ، وهو أخوة [ الدين ]{[689]}  والموالاة ، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم ، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم ، لأن المحذور لا يزول بذلك .

{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } بأن سبق على لسان أحدكم ، دعوته إلى من تبناه ، فهذا غير مؤاخذ به ، أو علم أبوه ظاهرًا ، [ فدعوتموه إليه ]{[690]}  وهو في الباطن ، غير أبيه ، فليس{[691]}  عليكم في ذلك حرج ، إذا كان خطأ ، { وَلَكِنْ } يؤاخذكم { بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } من الكلام ، بما لا يجوز . { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } غفر لكم ورحمكم ، حيث لم يعاقبكم بما سلف ، وسمح لكم بما أخطأتم به ، ورحمكم حيث بيَّن لكم أحكامه التي تصلح دينكم ودنياكم ، فله الحمد تعالى .


[689]:- زيادة من: ب.
[690]:- زيادة من: ب.
[691]:- في (أ) وقعت هنا زيادة حرف (في) ولا محل له.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

ثم أرشدت إلى الطريق السليمة فى معاملة الابن المتبنى فقال : { ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله } أى انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آبائهم ، فإن هذا النسب هو أقسط وأعدل عند الله - تعالى - .

قال الآلوسى : أخرج الشيخان " عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد . حتى نزل القرآن : { ادعوهم لآبَآئِهِمْ } فقال صلى الله عليه وسلم " أنت زيد بن حارثة بن شراحيل " " .

وكان زيد قد أسر فى بعض الحروب ، ثم بيع فى مكة ، واشتراه حكيم بن حزام ، ثم أهداه إلى عمته السيدة خديجة ، ثم أهدته خديجة - رضى الله عنها - إلى النبى صلى الله عليه وسلم وصار الناس يقولون : زيد بن محمد حتى نزلت الآية .

وقوله - سبحانه - : { فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ } إرشاد إلى معاملة هؤلاء الأدعياء فى حالة عدم معرفة آبائهم .

أى : انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آباءهم الحقيقيين لكى تنسبوهم إليهم ، فهؤلاء الأدعياء هم إخوانكم فى الدين والعقيدة ، وهو مواليكم ، فقولوا لهم ، يا أخى أو يا مولاى ، واتركوا نسبتهم إلى غير آبائهم الشرعيين .

وفى الجملة الكريمة إشارة إلى ما كان عليه المجتمع الجاهلى من تخلخل فى العلاقات الجنسية ، ومن اضطراب فى الأنساب ، وقد عالج الإِسلام كل ذلك بإقامة الأسرة الفاضلة ، المبنية على الطهر ، والعفاف ، ووضع الأمور فى مواضعها السليمة .

ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر اليسر ورفع الحرج فى تشريعاته فقال : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } .

أى : انسبوا - أيها المسلمون - الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، فإن لم تعرفوا آباءهم فخاطبوهم ونادوهم بلفظ : يا أخى أو يا مولاى . ومع كل ذلك فمن رحمتنا بكم أننا لم نجعل عليكم جناحا أو إثما ، فيما وقتمت فيه من خطأ غير مقصود بنسبتكم بعض الأبناء والأدعياء إلى غير آبائهم ، ولكننا نؤاخذكم ونعاقبكم فيما تعمدته قلوبكم من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم .

و { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } - وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء عن عباده .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هاتين الآيتين : حرص شريعة الإِسلام على إعطاء كل ذى حق حقه ، ومن مظاهر ذلك إبطال الظهار الذى كان يجعل المرأة محرمة على الرجل ، ثم تبقى بعد ذلك معلقة ، ولا هى مطلقة ففتزوج غير زوجها ، ولا هى زوجة فتحل له فشرع الإِسلام كفارة الظهار إنصافا للمرأة ، وحرصا على كرامتها .

ومن مظاهر ذلك - أيضا - : إبطال عادة التبنى ، حتى ينتسب الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، وحتى تصير العلاقات بين الآباء والأبناء قائمة على الأسس الحقيقية والواقعية .

ولقد حذر الإِسلام من دعوة الإِبن إلى غير أبيه تحذيرا شديدا . ونفر من ذلك .

قال القرطبى : جاء فى الحديث الصحيح " عن سعد بن أبى وقاص وأبى بكرة ، كلاهما قال : سَمعته أذناى ووعاه قلبى ، محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالاجنة عليه حرام " وفى حديث أبى ذر أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر " .