المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

47- ولا تكونوا كأولئك الذين خرجوا من ديارهم ، مغرورين بما لهم من قوة ونعمة ، مفاخرين ومتظاهرين بهما أمام الناس ، يريدون الثناء عليهم بالشجاعة والغلبة ، وهم بذلك يصدون عن سبيل الله والإسلام ، والله محيط بأعمالهم علماً وقدرة ، وسوف يجازيهم عليها في الدنيا والآخرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ْ } أي : هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه ، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم لقصد الأشر والبطر في الأرض ، وليراهم الناس ويفخروا لديهم .

والمقصود الأعظم أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل اللّه من أراد سلوكه ، { وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ْ } فلذلك أخبركم بمقاصدهم ، وحذركم أن تشبهوا بهم ، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة .

فليكن قصدكم في خروجكم وجه اللّه تعالى وإعلاء دين اللّه ، والصد عن الطرق الموصلة إلى سخط اللّه وعقابه ، وجذب الناس إلى سبيل اللّه القويم الموصل لجنات النعيم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

وبعد هذه التوجيهات السامية التي رسمت للمؤمنين طريق النصر ، نهاهم - سبحانه - عن التشبه بالكافرين الذين صدهم الشيطان عن السبيل الحق ، فقال تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين . . . عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

قال الفخر الرازى عند تفسيره لقوله - تعالى - { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ } المراد قريش حين خرجوا من مكة لحفظ العير . خرجوا يالقيان والمغنيات والمعازف ، فلما وردوا الجحفة ، بعث خفاف الكناتى - وكان صديقا لأبى جهل - بهدايا إليه مع ابن له ، فلما أتاه قال : إن أبى ينعمك صباحا ويقول لك : إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك ، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معى من قرايتى فعلت .

فقال أبو جهل : قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرا . إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله طاقة . وإن كنا إنما نقاتل الناس . فوالله إن بنا على الناس لقوة . والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور ، وتعزف فيها القيان ، فإن بدرا موسم من مواسم العرب ، وسوق من أسواقهم . وحتى تسمع العرب - بمخرجنا فتهابنا آخر الآبد - .

قال المفسرون : فوردوا بدرا ، وشربوا كؤوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان .

وقوله { بَطَراً } مصدر بطر - كفرح - ومعناه كما يقول الراغب : دهش يعترى الإِنسان من سوء احتمال النعمة ، وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجهها .

أى أن البطر ضرب من التكبر والغرور واتخاذ نعم الله - تعالى - وسيلة إلى ما لا يرضيه وه ومفعول لأجله ، أو حال ، أى : حال كوهم بطرين .

وقوله { وَرِئَآءَ } مصدر رأى ومعناه : القول أو الفعل الذي لا يقصد معه الإِخلاص ، وإنما يقصد به التظاهر وحب الثناء .

والمعنى : كونوا أيها المؤمنون - ثابتين عند لقاء الأعداء ، ومكثرين من ذكر الله وطاعته . وصابرين في كل المواطن . . واحذروا أن تتشبهوا بأولئك المشركين الذين خرجوا من مكة { بَطَراً وَرِئَآءَ الناس } أي خرجوا غرورا وفخرا وتظاهرا بالشجاعة والحمية . . حتى ينالوا الثناء منهم . .

وقوله : { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } معطوف على { بَطَراً } والسبيل : الطريق الذي فيه سهولة . والمراد بسبيل الله : دينه . لأنه يوصل الناس إلى الخير والفلاح .

أى : خرجوا بطرين بما أوتوا من نعم ومرائين بها الناس ، وصادين إياهم عن دين الإِسلام الذي باتباعه يصلون إلى السعادة والنجاح .

وعبر عن بطرهم وريائهم بصيغة الاسم الدال على التمكن والثبوت ، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث ، للإِشارة بأنهم كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والرياء ، وأن هذه الصفات دابهم وديدنهم ، أما الصد عن سبيل الله فلم يحصل منهم إلا بعد أن دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإِسلام .

وقوله : { والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } تذييل قصد به التحذير من الاتصاف بهذه الصفات الذميمة ، لأنه - سبحانه - محيط بكل صغيرة وكبيرة وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

فعلى المؤمنين أن يخلصوا الله - تعالى - أعمالهم .