تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس . . . } إلى قوله : { والله شديد العقاب } قال الكلبي : إن المشركين لما خرجوا من " مكة " إلى بدر أتاهم الخبر وهم بالجحفة قبل أن يصلوا إلى بدر أن عيرهم قد نجت ، فأراد القوم الرجوع ، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا قوم ، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم ؛ فإنكم كثير ، وعدوكم قليل فتأمن عيركم ، وأنا جار لكم على بني كنانة ، ألا تمروا بحي من بني كنانة إلا أمدكم بالخيل والرجال والسلاح . فمضوا كما أمرهم للذي أراد الله من هلاكهم ، فالتقوا هم والمسلمون ببدر ، فنزلت الملائكة مع المسلمين في صف ، وإبليس في صف المشركين في صورة سراقة بن مالك فلما نظر إبليس إلى الملائكة نكص على عقبيه ، وأخذ الحارث بن هشام المخزومي بيده ، فقال : يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا ؟ قال : إني أرى ما لا ترون ؛ إني أخاف الله والله شديد العقاب . فقال له الحارث : ألا كان هذا القول أمس ؟ فلما رأى إبليس أن القوم قد أقبلوا إليهم دفع في صدر الحارث فخر ، وانطلق إبليس وانهزم المشركون ، فلما قدموا مكة قالوا : إنما انهزم بالناس سراقة ونقض الصف ، فبلغ ذلك سراقة ، فقدم عليهم مكة ، فقال : بلغني أنكم تزعمون أني انهزمت بالناس فوالذي يحلف به سراقة ، ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم . فجعلوا يذكرونه ؛ أما أتيتنا يوم كذا ، وقلت لنا كذا فجعل يحلف ، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان .

قال الكلبي : وكان صادقا في قوله : { إني أرى ما لا ترون } وأما قوله : { إني أخاف الله } فكذب .