الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

قوله : { ولا تكونوا كالذين خرجوا }[ 47 ] ، الآية .

هذه الآية تنبيه للمؤمنين ألا يعملوا عملا إلا لله عز وجل ، وطلب ما عنده تبارك وتعالى{[27536]} ، ولا يفعلوا كفعل المشركين في مسيرهم إلى بدر طلب رئاء الناس . وذلك أنهم أُخبروا أن العير قد فاتت النبي صلى الله عليه وسلم ، [ وأصحابه ]{[27537]} ، وقيل لهم : ارجعوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها ، فأبوا الرجوع ، وقالوا : نأتي بدرا فنشرب بها الخمر ، وتعزف علينا بها القيان ، وتتحدث بنا العرب ، فسُقُوا مكان الخمر المنايا{[27538]} .

وفيهم نزل : { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس } الآية{[27539]} .

قال ابن عباس : لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره{[27540]} ، أرسل إلى قريش : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجت ، فارجعوا ، فقال أبو جهل بن هشام : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، وكان " بدر " موسما من مواسم العرب ، تجتمع لهم بها سوق كل عام ، فنقيم عليهم{[27541]} ثلاثا ، وننحر الجزر{[27542]} ، ونطعم الطعام ، فمضوا حتى أتوا بدرا ، فاجتمع السقاة على الماء من هؤلاء ومن هؤلاء ، فجاز المشركون الماء{[27543]} .

ومعنى " البطر " : التقوية بنعم الله تعالى على المعاصي{[27544]} ، فأمر الله عز وجل المؤمنين بإخلاص العمل له ، ولا يكونوا كهؤلاء الذين أتوا بدرا{[27545]} للرياء والسمعة بطرا منهم{[27546]} .


[27536]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27537]:زيادة من "ر"، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[27538]:جامع البيان 13/578، بتصرف يسير. وانظر: فيه من قال ذلك.
[27539]:مغازي موسى بن عقبة 132، وجامع البيان 13/581، والبحر المحيط 4/500، وتفسير ابن كثير 2/317، والدر المنثور 4/77، ولباب النقول 195، وفتح القدير 2/361.
[27540]:في الأصل: غيره، بغين معجمة، وهو تحريف.
[27541]:كذا في المخطوطتين. وفي جامع البيان: عليه.
[27542]:الجزور، من الإبل يقع على الذكر والأنثى، وهي تؤنث، والجمع: الجُزُر، بضمتين. المختار/جزر.
[27543]:جامع البيان 13/579، والكلام بعد قوله: "ونطعم الطعام" إلى نهاية الأثر ليس فيه. وتمام نصه: "...، ونسقي الخمور، وتعزف القيان علينا، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا".
[27544]:مشكل إعراب القرآن 1/317، وإعراب القرآن للنحاس 2/189، وعنه نقل مكي، وتفسير القرطبي 8/18، وفيها: مصدر في موضع الحال. وزاد القرطبي: "أي: خرجوا بطرين مُرائين صادين، وصدهم: إضلال الناس".
[27545]:في الأصل: بدر، وهو خطأ ناسخ.
[27546]:انظر: جامع البيان 13/581.