السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } أي : ليمنعوا غيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها { بطراً } أي : فخراً وطغياناً في النعمة وذلك إنّ النعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد فإن صرفها في المفاخرة على الأقران وكاثر بها أبناء الزمان وأنفقها في غير طاعة الرحمن ، فذلك هو البطر في النعمة ، وإن صرفها في طاعة الله وابتغاء مرضاته فذلك شكرها { ورئاء الناس } أي : ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة ، وأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فقال أبو جهل : لا والله حتى نقدم بدراً ، وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم فيها سوق في كل عام ، ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القينات ، والعزف اللعب بالمعازف ، وهي الدفوف وغيرها مما يضرب به قاله ابن الأثير وغيره ، والقينات الجواري ، ونطعم بها من حضرنا من العرب ، فذلك بطرهم ورياؤهم الناس بإطعامهم فوافوها فسقوا المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القينات ، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين ، وأمرهم أن يكونوا أهل تقوى وإخلاص من حيث إنّ النهي عن الشيء أمر بضدّه { ويصدّون عن سبيل الله } أي : ويمنعون الناس الدخول في دين الله { والله بما يعملون محيط } لا يخفى عليه شيء ؛ لأنه محيط بأعمال العباد كلها فيجازيهم بأعمالهم .