غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

41

قال أهل السير : إن أهل مكة حين نفروا لحماية العير أتاهم رسول أبي سفيان وهم بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فأبى أبو جهل وقال : حتى نقدم بدراً نشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب . فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم بطرين مرائين بأعمالهم كإطعام الطعام ونحوه فقال { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم } الآية . وصفهم بأوصاف ثلاثة : أولها : البطر وهو الطغيان في النعمة ويقال أيضاً شدّة المرح . والتحقيق إن النعم إذا كثرت من الله على العبد فإن صرفها في مرضاته وعرف حق الله فيها فذاك هو الشكر وإن توسل بها إلى المفاخرة على الأقران والمكاثرة على أبناء الزمان فذاك هو البطر . وثانيها : رئاء الناس وهو القصد إلى إظهار الجميل مع قبح النية وفساد الطوية ، ، أو هو إظهار الطاعة مع إبطان المعصية كما أن النفاق إظهار الإيمان مع إبطان الكفر . وثالثها قوله { ويصدون عن سبيل الله } أي يمنعون عن قبول دين محمد صلى الله عليه وسلم . قال الواحدي : معناه وصدا عن سبيل الله ليكون عطفاً للاسم على الاسم ، أو يكون الكل أحوالاً على تأويل بطرين مرائين صادّين أو يبطرون ويراءون ويصدّون . واعترض عليه في التفسير الكبير بأنه تارة يقيم الاسم مقام الفعل والأخرى بالعكس ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها ، وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبر عن الأولين بالمصدر وعن الثالث بالفعل . ثم ذكر السبب فقال : إن أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على البطر والرياء فذكرا بلفظ الاسم تنبيهاً على أصالتهم فيهما ، وأما الصدّ فإنما حصل في زمان ادعاء محمد النبوة فذكر بلفظ الفعل الدال على التجدد . قلت : لو جعلنا قوله { ويصدون } عطفاً على صلة «الذين » لم يحتج إلى هذه التكلفات التي اخترعها الإمامان . { والله بما يعملون محيط } فيه زجر عن التصنع والافتخار ، ويعلم منه أن المعصية مع الانكسار أقرب إلى الخلاص من الطاعة مع الاستكبار .

/خ49