قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } .
نزلت في المشركين حين أقْبَلُوا إلى بدر ، ولهم بغي وفخرٌ . فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " اللهم هذه قريشٌ قد أقبلت بخيلائها ، وفخرها تُجادل وتُكذِّب رسولك ، اللَّهُمَّ فنصرك الذي وعدتني " .
ولمَّا رأى أبُو سفيان أنه قد أحرز عيره ، أرسل إلى قريش إنكم إنَّما خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجَّاها اللَّهُ ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتَّى نردَ بَدْراً – وكان في بدر موسم من مواسم العرب ، يجتمع لهم بها سوق كل عام- فنقيم بها ثلاثا ، فننحر الجزور ، ونطعم الطَّعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيانُ ، وتسمع بنا العربُ ، فلا يزالُونَ يهابوننا أبَداً . فوافوها فَسُقُوا كئوس المنايا مكان الخمر ، وناحَتْ عليهم النَّوائحُ مكان القيان ، فنهى اللَّهُ تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم ، وأمرهم بإخلاص النِّية ، والحسبة في نصر دينه ومؤازرة نبيه .
واعلم أنَّه تعالى وصفهم بثلاثة أشياء :
قال الزَّجَّاجُ : البَطَرُ : الطغيان في النعمة وترك شكرها .
وثانيها : الرِّئاءُ ، وهو أظهار الجميل ليرى ، مع أنَّ باطنهُ يكون قبيحاً .
والفرق بينه وبين النفاق : أنَّ النفاق : إظهار الإيمان مع إبطان الكفر ، والرئاء : إظهار الطَّاعة مع إبطان المعصية .
وثالثها : صدهم عن سبيل اللَّهِ ، وهو كونهم مانعين عن دين محمد - عليه الصلاَّة والسَّلام - .
قوله : " بَطَراً ورِئاءَ " منصوبان على المفعول له ، ويجوزُ أن يكونا مصدرين في موضع نصبٍ على الحال ، من فاعل : " خَرَجُوا " ، أي : خَرُجوا بطرينَ ومُرائين ، و " رئَاءَ " مصدرٌ مضاف لمفعوله .
قوله " ويَصُدُّونَ " : يجوزُ أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون عطفاً على : " بَطَراً ورِئَاءَ " وحفَ المفعولُ للدَّلالةِ عليه .
فإن قيل : " يَصُدُّون " فعل مضارع ، وعطف الفعل على الاسم غير حسن . فذكر الواحديُّ في الجواب ثلاثة أوجه :
الأول : أن " يَصُدُّون " بمعنى : صادين ، أي : بطرين ومرائين وصادين .
والثاني : أن يكون قوله " بَطَراً ورِئَاءَ " حالان على تأويل : مبطرين ومرائين ، ويكون قوله " ويصدون " أي : وصادين .
الثالث : أن يكون قوله " بَطَراً ورِئَاءَ " بمنزلة : يبطرون ويراؤون .
قال ابنُ الخطيبِ : " إن شيئاً من هذه الوجوه لا يشفي الغليل ؛ لأنَّهُ تارةً يقيم الفعل مقام الاسم وأخرى يقيم الاسم مقام الفعل ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها .
وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبَّر عن الأولين بالمصدر ، وعن الثالث بالفعل . قال : إنَّ الشيخ عبد القاهر الجرجاني ، ذكر أنَّ الاسم يدلُّ على التَّمكين والاستمرار ، والفعل على التجدد والحدوث ، مثاله في الاسم قوله تعالى { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } [ الكهف : 18 ] وذلك يقتضي كون تلك الحالة ثابتة راسخة ، ومثال الفعل قوله تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض }
[ يونس : 31 ] وذلك يُدلُّ على أنه تعالى يوصل الرِّزق إليهم ساعة فساعة .
وإذا عرفت ذلك فنقول : إنَّ أبا جهلٍ ورهطهُ كانوا مجبولين على البطرِ ، والمفاخرة والعجب وأما صدهم عن سبيل اللَّهِ فإنما حصل في الزَّمانِ الذي ادَّعى محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فيه النبوة ، فلهذا ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم ، وذكر الصد بصيغة الفعل " .
واعلم أنَّ الذي قاله ابن الخطيب لا يخدش فيما أجاب به الواحديُّ ؛ لأنَّ الواحدي إنَّما أراد من حيث الصِّناعة ، لا من حيث المعنى .
ثم قال : { والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } أي : أنه عالم بما في دواخل القلوب ، وذلك كالتَّهديدِ والزَّجر عن الرئاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.