فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (47)

ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ، وهم قريش ؛ فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ، ومعهم القيان والمعازف ، فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت ، فلم يرجعوا بل قالوا لا بدّ لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر ، وتغني لهم القيان ، وتسمع العرب بمخرجهم ، فكان ذلك منهم بطراً وأشراً وطلباً للثناء من الناس ، وللتمدح إليهم ، والفخر عندهم ، وهو الرياء ؛ وقيل والبطر في اللغة : التقوّي بنعم الله على معاصيه ، وهو مصدر في موضع الحال ، أي خرجوا بطرين مرائين . وقيل هو مفعول له وكذا رياء ، أي خرجوا للبطر والرياء .

وقوله : { وَيَصُدُّونَ } معطوف على بطراً ، والمعنى كما تقدّم ، أي خرجوا بطرين مرائين صادّين عن سبيل الله ، أو للصدّ عن سبيل الله .

والصدّ : إضلال الناس والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية . ويجوز أن يكون ويصدّون معطوفاً على يخرجون ، والمعنى : يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصدّ { والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } لا تخفى عليه من أعمالهم خافية ، فهو : مجازيهم عليها .

/خ49