المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

17 - إنا اختبرنا أهل مكة بالإنعام عليهم فكفروا . كما اختبرنا أصحاب الجنة حين حلفوا ليقطعن ثمار جنتهم مبكرين ، ولا يذكرون الله فيعلقون الأمر بمشيئته .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

قصة أصحاب الجنة

{ إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين 17 ولا يستثنون 18 فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون 19 فأصبحت كالصّريم 20 فتنادوا مصبحين 21 أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين 22 فانطلقوا وهم يتخافتون 23 أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين 24 وغدوا على حرد قادرين 25 فلما رأوها قالوا إنّا لضالون 26 بل نحن محرومون 27 قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون 28 قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين 29 فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون 30 قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين 31 عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون 32 كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 33 }

المفردات :

بلوناهم : امتحنّاهم بألوان من البلاء والآفات .

الجنة : البستان .

ليصرمنّها : ليقطعن ثمارها بعد نضجها .

مصبحين : وقت الصباح المبكّر .

17

التفسير :

16- إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين .

اختبرنا أهل مكة بالمال والغنى والبلد الأمين ، لكنهم لم يشكوا هذه النعمة ، وكذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وشأنهم في ذلك شأن أصحاب الجنة ، وقصتهم مشهورة باليمن ، فقد كان البستان لرجل صالح يخرج زكاة بستانه ، ويجعل للمساكين بعد ذلك ما أخطأه الحاصد ، وما تبقّى تحت النخلة من ثمر ، فلما مات الأب أصرّ أبناؤه أن يقطعوا ثمار البستان في الصباح الباكر .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " إنا بلوناهم " يريد أهل مكة . والابتلاء الاختبار . والمعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا ، فلما بطروا وعادوا محمدا صلي الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم . وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء - ويقال بفرسخين - وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها ، فلما مات صارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها ، فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها . قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ، ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم . وقيل : هي جنة بضَوْرَان ، وضَوْرَان على فرسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير - وكانوا بخلاء - فكانوا يجدون التمر ليلا من أجل المساكين ، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا : لا يدخلها اليوم عليكم مسكين ، فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم ؛ أي كالليل . ويقال أيضا للنهار صريم . فإن كان أراد الليل فلسواد موضعها ، وكأنهم وجدوا موضعها حمأة . وإن كان أراد بالصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه . وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها . فيقال : إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ؛ ولذلك سميت الطائف . وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها . وقال البكري في المعجم : سميت الطائف لأن رجلا من الصَّدِف{[15253]} يقال له الدَّمُون ، بنى حائطا وقال : قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم ، فسميت الطائف . والله أعلم .

الثانية- قال بعض العلماء : على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره ، وذلك معنى قوله : " وآتوا حقه يوم حصاده " [ الأنعام : 141 ] وأنه غير{[15254]} الزكاة على ما تقدم في " الأنعام " بيانه{[15255]} . وقال بعضهم : وعليه ترك ما أخطأه الحاصدون . وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا . وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل . فقيل : إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق . وتأول من قال هذا الآية التي في سورة " ن والقلم " . قيل : إنما نهي عن ذلك خشية الحيات وهوام الأرض .

قلت : الأول أصح ، والثاني حسن . وإنما قلنا الأول أصح ؛ لأن العقوبة كانت بسبب ، ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى . روى أسباط عن السدي قال : كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلا صالحا ، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا ، فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض : علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين ! تعالوا فلندلج فنصرمنها قبل أن يعلم المساكين ، ولم يستثنوا ، فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفتا{[15256]} : لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ، فذلك قوله تعالى : " إذ أقسموا " يعني حلفوا فيما بينهم " ليصر منها مصبحين " يعني لنجذنّها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين ، ولا يستثنون ، يعني لم يقولوا إن شاء الله . وقال ابن عباس : كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين ، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم ، فإذا طرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين ، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين ، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر ، فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين ، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين ، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم . فقالوا : قل المال وكثر العيال ، فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ولا تعرف المساكين . وهو قوله : " إذ أقسموا " أي حلفوا " ليصرمنها " ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسُدْفَة{[15257]} من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم . والصرم القطع . يقال : صرم العذق عن النخلة . وأصرم النخل أي حان وقت صرامه . مثل أركب المهر وأحصد الزرع ، أي حان ركوبه وحصاده .


[15253]:الصدف (بالفتح ثم بالكسر): مخلاف من اليمن منسوب إلى القبيلة.
[15254]:في ط: "عين".
[15255]:راجع جـ 7 ص 99.
[15256]:الخفت (بوزن السبت): إسرار المنطق.
[15257]:السدفة: الظلمة، والضوء. وطائفة من الليل. وقيل: اختلاط الضوء والظلمة جميعا.