الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

وقوله سبحانه : { إِنَّا بلوناهم } يريد : قريشاً ، أي : امْتَحَنَّاهُم ، و{ أصحاب الجنة } فيما ذُكِرَ كانوا إخوةً ، وكانَ لأَبِيهم جَنَّةٌ وحَرْثٌ يَغْتَلُّه ، فَكَان يُمْسِكُ منه قُوتَه ، وَيَتَصَدَّقُ على المساكين بِبَاقِيهِ ، وقيل : بلْ كَانَ يَحْمِلُ المساكِينَ مَعَه في وَقْتِ حَصَادِهِ وجَذِّه فَيُجْدِيهم منه ، فماتَ الشيخُ ، فقال ولدُه : نَحْنُ جَماعَةٌ وفِعْلُ أبينَا كَانَ خطأً فَلْنَذْهَبْ إلى جنَّتِنَا ، ولا يَدْخُلَنَّها عَلَيْنَا مِسْكِينٌ ، ولا نُعْطِي منها شيئاً ، قَال : فَبَيَّتُوا أمْرَهُمْ وَعَزْمَهُمْ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا طائفاً من نارِ أو غيرِ ذلكَ ، فاحْتَرَقَتْ ، فقيلَ : فأصْبَحَتْ سَودَاء ، وقيل : بَيْضَاء كالزَّرْعِ اليَابِسِ المَحْصُودِ ، فلما أصْبَحوا إلى جنتهم ؛ لم يَرَوْهَا فَحسبوا أنهم قَد أَخْطُأوا الطريقَ ، ثم تَبَيَّنُوها فعلموا أنَّ اللَّهَ أَصَابَهُم فِيها ، فتَابوا حينئذٍ فَكَانُوا مُؤمنِينَ أهْلَ كِتَابٍ ، فَشَبَّه اللَّهُ قُرَيْشاً بهم في أنّه امتحنهم بالمصَائِبِ ، في دُنْيَاهُمْ لِعَدَمِ اتّبَاعِهِمْ للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ التوبةُ مُعَرَّضَةٌ لِمَنْ بَقِيَ منهم .

وقوله تعالى : { لَيَصْرِمُنَّهَا } أي : ليَجُذُّنَّهَا ، و{ مُصْبِحِينَ } معناه : دَاخِلينَ في الصباح .