فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

قوله : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } يعني : كفار مكة ، فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والابتلاء الاختبار ، والمعنى : أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا ، فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط { كَمَا بَلَوْنَا أصحاب الجنة } المعروف خبرهم عندهم ، وذلك أنها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدّي حق الله منها ، فمات وصارت إلى أولاده ، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحقّ الله فيها . قال الواحدي : هم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل ، وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شيء حظاً للمساكين عند الحصاد والصرام ، فقالت بنوه : المال قليل ، والعيال كثير ، ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا ، وعزموا على حرمان المساكين ، فصارت عاقبتهم إلى ما قصّ الله في كتابه . قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ابتلاهم الله بأن حرق جنتهم . وقيل : هي جنة كانت بصوران ، وصوران على فراسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } أي حلفوا ليقطعنها داخلين في وقت الصباح ، والصرم القطع للثمر والزرع ، وانتصاب { مُّصْبِحِينَ } على الحال من فاعل ليصرمنها ، والكاف في : { كَمَا بَلَوْنَا } نعت مصدر محذوف : أي بلوناهم ابتلاء كما بلونا ، وما مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وإذ ظرف لبلونا منتصب به ، وليصرمنها جواب القسم .

/خ33