المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

32- إن مَنْ يُعظِّم دين الله وفرائض الحج وأعماله والهدايا التي يسوقها إلى فقراء الحرم ، فيختارها عظيمة سِماناً صِحاحاً لا عيب فيها فقد اتقى الله ، لأن تعظيمها أثر من آثار تقوى القلوب المؤمنة ، وعلامة من علامات الإخلاص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } .

يقول تعالى ذكره : هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس وأمرتكم به من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور ، حنفاء لله ، وتعظيم شعائر الله ، وهو استحسان البُدن واستسمانها وأداء مناسك الحجّ على ما أمر الله جلّ ثناؤه ، من تقوى قلوبكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن زياد ، عن محمد بن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس ، في قوله : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ قال : استعظامها ، واستحسانها ، واستسمانها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة عن مجاهد ، في قوله : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال : الاستسمان والاستعظام .

وبه عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : والاستحسان .

حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطيّ ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن أبي بشر ، وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال : استعظام البدن ، واستسمانها ، واستحسانها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى ، قال : الوقوف بعرفة من شعائر الله ، وبجَمْع من شعائر الله ، ورمي الجمار من شعائر الله ، والبُدْن من شعائر الله ، ومن يعظمها فإنها من شعائر الله في قوله : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فمن يعظمها فإنها من تقوى القلوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال : الشعائر : الجمار ، والصفا والمروة من شعائر الله ، والمَشْعَر الحرام والمزدلفة ، قال : والشعائر تدخل في الحرم ، هي شعائر ، وهي حرم .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن تعظيم شعائره ، وهي ما جعله أعلاما لخلقه فيما تعبّدهم به من مناسك حجهم ، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم : من تقوى قلوبهم لم يخصص من ذلك شيئا ، فتعظيم كلّ ذلك من تقوى القلوب ، كما قال جلّ ثناؤه وحقّ على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك . وقال : إنّها مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ وأنّث ولم يقل : «فإنه » ، لأنه أريد بذلك . فإن تلك التعظيمة مع اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب ، كما قال جلّ ثناؤه : إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . وعني بقوله : فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ فإنها من وجل القلوب من خشية الله ، وحقيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

التقدير في هذا الموضع الأمر ذلك ، و «الشعائر » جميع شعيرة وهي كل لله تعالى ، فيه أمر أشعر به وأعلم ، قال فرقة : قصد ب «الشعائر » في هذه الآية للهدي والأنعام المشعرة ، ومعنى تعظيمها تسميتها والاهتبال بأمرها والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة ، وعود الضمير في { إنها } على التعظمة والفعلة التي يتضمنها الكلام ، وقرأ «القلوبُ » بالرفع على أنها الفاعلة بالمصدر الذي هو { تقوى } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

{ ذلك } تكرير لنظيره السابق .

الشعائر : جمع شعيرة : المَعْلم الواضح مشتقة من الشعور . وشعائر الله : لقب لمناسك الحجّ ، جمع شعيرة بمعنى : مُشعِرة بصيغة اسم الفاعل أي معلمة بما عينه الله .

فمضمون جملة { ومن يعظم شعائر الله } الخ . . . أخص من مضمون جملة { ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] وذكر الأخص بعد الأعم للاهتمام . أو بمعنى مشعر بها فتكون شعيرة فعيلة بمعنى مفعولة لأنها تجعل ليشعر بها الرائي . وتقدم ذكرها في قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } في [ سورة البقرة : 158 ] . فكل ما أمر الله به بزيارته أو بفعل يوقع فيه فهو من شعائر الله ، أي مما أشعر الله الناس وقرره وشهره . وهي معالم الحجّ : الكعبة ، والصفا والمروة ، وعرفة ، والمشعر الحرام ، ونحوها من معالم الحجّ .

وتطلق الشعيرة أيضاً على بدنة الهدى . قال تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } [ الحج : 36 ] لأنهم يجعلون فيها شِعاراً ، والشِعار العلامة بأن يطعنوا في جلد جانبها الأيمن طعناً حتى يسيل منه الدم فتكون علامة على أنها نُذرت للهدي ، فهي فعلية بمعنى مفعولة مصوغة من أشعر على غير قياس .

فعلى التفسير الأول تكون جملة { ومن يعظم شعائر الله } إلى آخرها عطفاً على جملة { ومن يعظم حرمات الله } [ الحج : 30 ] الخ . وشعائر الله أخصّ من حرمات الله فعطف هذه الجملة للعناية بالشعائر .

وعلى التفسير الثاني للشعائر تكون جملة { ومن يعظم شعائر الله } عطفاً على جملة { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } [ الحج : 28 ] تخصيصاً لها بالذكر بعد ذكر حرمات الله .

وضمير { فإنها } عائد إلى شعائر الله المعظمة فيكون المعنى : فإن تعظيمها من تقوى القلوب .

وقوله { فإنها من تقوى القلوب } جواب الشرط والرابط بين الشرط وجوابه هو العموم في قوله : { القلوب } فإن من جملة القلوب قلوب الذين يعظمون شعائر الله . فالتقدير : فقد حلّت التقوى قلبه بتعظيم الشعائر لأنها من تقوى القلوب ، أي لأنّ تعظيمها من تقوى القلوب .

وإضافة { تقوى } إلى { القلوب } لأنّ تعظيم الشعائر اعتقاد قلبي ينشأ عنه العمل .