البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

إعراب { ذلك } كإعراب { ذلك } المتقدم ، وتقدم تفسير { شعائر الله } في أول المائدة ، وأما هنا فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة : هي البدن الهدايا ، وتعظيمها تسمينها والاهتبال بها والمغالاة فيها .

وقال زيد بن أسلم : الشعائر ست : الصفا ، والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن .

وتعظيمها إتمام ما يفعل فيها .

وقال ابن عمر والحسن ومالك وابن زيد : مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك ، وهذا نحو من قول زيد بن أسلم .

وقيل : شرائع دينه وتعظيمها التزامها

وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال عليه الصلاة والسلام : " التقوى ههنا " وأشار إلى صدره .

" وعن عمر أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال : «بل اهدها » وأهدى هو عليه السلام مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب " ، وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحومها وبجلالها ، ويعتقد أن طاعة الله في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد أن يقام به ويسارع فيه .

وذكر { القلوب } لأن المنافق يظهر التقوى وقلبه خال عنها ، فلا يكون مجداً في أداء الطاعات ، والمخلص التقوى بالله في قلبه فيبالغ في أدائها على سبيل الإخلاص .

وقال الزمخشري : فإن تعظيمها { من } أفعال ذوي { تقوى القلوب } فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلاّ بتقديرها لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى { من } ليرتبط به ، وإنما ذكرت { القلوب } لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء انتهى .

وما قدره عار من راجع إلى الجزاء إلى { من } ألا ترى أن قوله فإن تعظيمها من أفعال القلوب ليس في شيء منه ضمير يعود إلى { من } يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أدانه { من } وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فأي تعظيمها منه ، فيكون الضمير في منه عائداً على من فيرتبط الجزاء بالشرط .

وقرىء { القلوب } بالرفع على الفاعلية بالمصدر الذي هو { تقوى } والضمير في { فيها } عائد على البدن على قول الجمهور ، والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها { إلى أجل مسمى } وهو أن يسميها ويوجبها هدياً فليس له شيء من منافعها .

قاله ابن عباس في رواية مقسم ، ومجاهد وقتادة والضحاك .