اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ} (32)

قوله تعالى{[31111]} : { ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله } الآية . إعراب «ذَلِك » كإعراب «ذَلِكَ » المتقدم{[31112]} وتقدم تفسير الشعيرة واشتقاقها في المائدة{[31113]} . والمعنى : ذلك الذي ذكرت من اجتناب الرجس ، وقول الزور{[31114]} ، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب .

قال ابن عباس{[31115]} : شعائر الله البُدْن والهدايا . وأصلها من الإشعار وهو إعلامها لتعرف أنها هَدْي ، وتعظيمها استحسانها واستسمانها . وقيل : شعائر الله أعلام دينه{[31116]} .

وقيل : مناسك الحج .

قوله : { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب } . أي : فإن تعظيمها{[31117]} من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ، لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى ( من ) ليرتبط به{[31118]} ، وإنما ذكرت القلوب{[31119]} ، لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه وقلبه خال عنها ، فلهذا لا يكون مجدّاً في الطاعات ، وأما المخلص الذي تمكنت التقوى من قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص {[31120]} .

واعلم أن الضمير في قوله : { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب } فيه وجهان :

أحدهما : أنه ضمير الشعائر على حذف مضافه ، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب .

والثاني : أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل قبله{[31121]} ، أي : فإن التعظيم من تقوى القلوب والعائد على اسم الشرط من هذه الجملة الجزائية مقدر تقديره : فإنها من تقوى القلوب منهم . ومن جوَّز إقامة ( أل ) {[31122]} مقام الضمير - وهم الكوفيون - ، أجاز ذلك هنا ، والتقدير : من تقوى قلوبهم{[31123]} كقوله : { فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى }{[31124]} [ النازعات : 41 ] . والعامة على خفض «القلوب » ، وقرئ برفعها ، فاعلة للمصدر قبلها وهو «تقوى »{[31125]} .


[31111]:تعالى: سقط من الأصل.
[31112]:في قوله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله} من الآية (30) من السورة نفسها.
[31113]:عند قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام} [المائدة: 2]. وذكر هناك: قال ابن عباس ومجاهد: هي مناسك الحج، وقال أبو عبيدة: شعائر الله هي الهدايا، ثم عطف عليه الهدايا، والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه، والشعائر جمع، والأكثرون على أنه جمع شعيرة، وقال ابن فارس: واحدها شعارة، والشعيرة: فعيلة بمعنى مفعولة، والشعيرة المعلمة، والإشعار الإعلام، وكل شيء علم فقد شعر، وهو هنا أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم، فيكون ذلك علامة أنها هدي...انظر اللباب 3/207.
[31114]:انظر البغوي 5/581.
[31115]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/581 – 582.
[31116]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/581 – 582.
[31117]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/33 – 34.
[31118]:في الأصل بعد قوله: ليرتبط به: إلى من. وفي ب: قال الزمخشري: قال أبو حيان: وما قدره عامر من راجع من الضمير من الجزاء إلى (من)، ألا ترى أن قوله: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. ليس في شيء منه ضمير يرجع من الجزاء إلى "من" يربطه، وإصلاحه أن يقول: فإن تعظيمها منه، فالضمير في منه عائد على (من). البحر المحيط 6/368.
[31119]:في ب: المقلوب. وهو تحريف.
[31120]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/ 33-34.
[31121]:في الأصل: قلبه. وهو تحريف.
[31122]:في الأصل: إلى. وهو تحريف.
[31123]:مذهب الكوفيين وجماعة من البصريين إقامة (ال) مقام الضمير، وجعلوا منه قوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41، 42] الأصل: مأواه، ومنع ذلك بعض البصريين، وقالوا: التقدير: هي المأوى له. انظر التبيان 2/941، المغني 2/501 – 502، الأشموني 1/195 – 196.
[31124]:[النازعات: 41].
[31125]:تفسير ابن عطية 10/276، البحر المحيط 6/368.