المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

51- ولو ترى - أيها المبصر - حين فزع الكفار عند ظهور الحق فلا مهرب لهم ، وأخذوا إلى النار من مكان قريب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىَ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مّكَانٍ قَرِيبٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولو تَرى يا محمد إذ فزعوا .

واختلف أهل التأويل في المعنيين بهذه الاَية ، فقال بعضهم : عُنِي بها هؤلاء المشركون الذين وصفهم تعالى ذكره بقوله : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيّناتٍ قالُوا ما هَذَا إلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَصُدّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ قال : وعُنِي بقوله : إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ عند نزول نقمة الله بهم في الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ . . . إلى آخر الاَية ، قال : هذا من عذاب الدنيا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال : هذا عذاب الدنيا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ . . . إلى آخر السورة ، قال : هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر ، نزلت فيهم هذه الاَية ، قال : وهم الذين بدّلوا نعمة الله كفرا ، وأحلّوا قومهم دارَ البوار جهنم ، أهل بدر من المشركين .

وقال آخرون : عنى بذلك جيش يخسف بهم ببيداء من الأرض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال : هم الجيش الذي يُخْسَف بهم بالبيداء ، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه .

حدثنا عصام بن رَوّاد بن الجَرّاح ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، قال : ثني منصور بن المعتمر ، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش ، قال : سمعت حُذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذَكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب . قال : «فبينما هم كذلك ، إذ خرج عليهم السّفْيانيّ من الوادي اليابس في فَورة ذلك ، حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين : جيشا إلى المشرق ، وجيشا إلى المدينة ، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة ، والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ، وَيَبْقُرون بها أكثر من مئة امرأة ، ويقتلون بها ثلاث مئة كبش من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخَرّبون ما حولها ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام ، فتخرج راية هذا من الكوفة ، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم ، لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السّبْي والغنائم ، ويخلي جيشه التالي بالمدينة ، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة ، حتى إذا كانوا بالبيداء ، بعث الله جبريل ، فيقول : يا جبرائيل اذهب فأبدهم ، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم ، فذلك قوله في سورة سبأ وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ . . . الاَية ، ولا ينفلت منهم إلاّ رجلان : أحدهما بشير ، والاَخر نذير ، وهما من جهينة ، فلذلك جاء القول :

*** وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الخَبرُ اليَقِينُ ***

حدثنا محمد بن خلَف العسقلانيّ قال : سألت روّاد بن الجرّاح ، عن الحديث الذي حدث به عنه ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعى ، عن حذيفة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن قصة ذكرها في الفتن ، قال : فقلت له : أخبرني عن هذا الحديث سمعته من سفيان الثوريّ ؟ قال : لا ، قلت : فقرأته عليه ، قال : لا ، قلت : فقرىء عليه وأنت حاضر ؟ قال : لا ، قلت : فما قصته ، فما خبره ؟ قال : جاءني قوم فقالوا : معنا حديث عجيب ، أو كلام هذا معناه ، نقرؤه وتسمعه ، قلت لهم : هاتوه ، فقرءوه عليّ ، ثم ذهبوا فحدّثوا به عني ، أو كلام هذا معناه .

قال أبو جعفر : وقد :

حدثني ببعض هذا الحديث محمد بن خلف ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعى ، عن حُذيفة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، حديث طويل ، قال : رأيته في كتاب الحسين بن عليّ الصدائي ، عن شيخ ، عن روّاد ، عن سفيان بطوله .

وقال آخرون : بل عنى بذلك المشركون إذا فزعوا عند خروجهم من قبورهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعوا قال : فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم . وقال قتادة : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ حين عاينوا عذاب الله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ابن معقل وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال : أفزعهم يوم القيامة فلم يفوتوا .

والذي هو أولى بالصواب في تأويل ذلك ، وأشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل قول من قال : وعيد الله المشركين الذين كذّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه لأن الاَيات قبل هذه الاَية جاءت بالإخبار عنهم وعن أسبابهم ، وبوعيد الله إياهم مغبته ، وهذه الاَية في سياق تلك الاَيات ، فلأن يكون ذلك خبرا عن حالهم أشبه منه بأن يكون خبرا لما لم يجر له ذكر . وإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : ولو ترى يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ، فتعاينهم حين فزعوا من معاينتهم عذاب الله فَلا فَوْتَ يقول فلا سبيل حينئذٍ أن يفوتوا بأنفسهم ، أو يعجزونا هربا ، وينجوا من عذابنا ، كما :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ يقول : فلا نجاة .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ قال : لا هرب .

وقوله : وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يقول : وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب ، لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ فَزِعُواْ فَلَا فَوۡتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (51)

واختلف المتأولون في قوله تعالى : { لو ترى } الآية ، فقال ابن عباس والضحاك : هذا في عذاب الدنيا ، وروي أن ابن أبزى{[9674]} قال ذلك في جيش يغزو الكعبة فيخسف بهم في بيداء من الأرض ولا ينجو إلا رجل من جهينة فيخبر الناس بما نال الجيش قالوا بسببه قيل :

وعند جهينة الخبر اليقين{[9675]}

وهذا قول سعيد ، وروي في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة وذكر الطبري أنه ضعيف السند مكذوب فيه على رواد بن الجراح{[9676]} ، وقال قتادة : ذلك في الكفار عند الموت ، وقال ابن زيد : ذلك في الكفار في بدر ونحوها ، وقال الحسن بن أبي الحسن : ذلك في الكفار عند خروجهم من القبور في القيامة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا أرجح الأقوال عندي ، وأما معنى الآية فهو التعجيب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إياهم ولم يتمكن لهم أن يفوت منهم أحد ، وقوله { من مكان قريب } معناه أنهم للقدرة قريب حيث كانوا قبل من تحت الأقدام ، وهذا يتوجه على بعض الأقوال والذي يعم جميعها أن يقال إن الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم ويعقبها بينا الكافر يؤمل ويظن ويترجى إذ غشيه الأخذ ، ومن غشيه أخذ من قريب ، فلا حيلة له ولا روية ، وقرأ الجمهور «وأخذوا » ، وقرأ طلحة بن مصرف «فلا فوت وأخذ » ، كأنه قال وجاء لهم أخذ{[9677]} من مكان قريب .


[9674]:في الأصل:"وروي أن أبزى"، والصواب ماذكرناه.
[9675]:هذا عجز بيت من الوافر، وقد صار مثلا يضرب في معرفة حقيقة الشيء، وقد ذكر الميداني قصة المثل في "مجمع الأمثال" في خبر طويل خلاصته أن رجلا من جهينة اسمه الأخنس بن كعب أحدث في قومه أمرا ثم فرّ هاربا، فلقي حصين بن عمرو الكلابي، وكان قد خرج من قومه أيضا لأمر قد أحدثه، وتعارفا، ثم صحبا كل منهما صاحبه على حذر، ومضيا يقطعان الطريق على الناس، حتى التقيا برجل من لخم يتناول الطعام ومعه أموال كثيرة، فدعاهما لطعامه فأكلا وشربا وتحدثا، ثم ابتعد حصين لبعض أمره، فقتل الجهيني اللخمي، فلما عاد حصين فوجئ بذلك، فلام صاحبه على فعلته، وقال: ويحك، فتكت برجل قد ترحمنا بطعامه وشرابه، ثم غافل الجهيني حصينا وقتله، وأخذ متاعه ومتاع اللخمي وعاد إلى قومه، وفي الطريق التقى بامرأة حصين تسأل عنه فأخبرها أنه قتل زوجها، ثم وقف في القوم يقول أبياتا منها: تسائل عن حصين كل ركب وعند جهينة الخبر اليقين جهينة معشري وهم ملوك إذا طلبوا المعالي لم يهونوا وقال الأصمعي، وابن الأعرابي: اسمه جفينة بالفاء، وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر: تسائل عن أبيها كل ركب وعند جفينة الخبر اليقين
[9676]:في الأصل:"على رواد بن الجراح"، والتصويب عن الطبري وفيه، حدثنا عصام بن رواد بن الجراح...الخ"، والخبر بطوله هناك.
[9677]:قال ابن جني: يجوز أن يكون فاعلا لفعل محذوف، والتقدير: وأحاط بهم أخذ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: وهناك أخذ لهم.