المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (18)

18- ثم جعلناك - يا محمد - بعد اختلاف أهل الكتاب مبعوثاً على منهاج واضح من أمر الدين الذي شرعناه لك ولمن قبلك من رسلنا ، فاتبع شريعتك الحقة الثابتة بالحُجج والدلائل ، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون طريق الحق .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ جَعَلْنَاكَ عَلَىَ شَرِيعَةٍ مّنَ الأمْرِ فَاتّبِعْهَا وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَآءَ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَإِنّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَاللّهُ وَلِيّ الْمُتّقِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ثم جعلناك يا محمد من بعد الذي آتينا بني إسرائيل ، الذين وصفت لك صفتهم عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ يقول : على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا فاتّبِعْها يقول : فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَ الذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، يقول : ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله ، الذين لا يعرفون الحقّ من الباطل ، فتعمل به ، فتهلك إن عملت به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ثُمّ جَعَلْناكَ على شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فاتّبِعْها ، قال : يقول على هدىً من الأمر وبيّنة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ جَعَلْناكَ على شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فاتّبِعْها ، والشريعة : الفرائض والحدود والأمر والنهي ، فاتبعها وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ثُمّ جَعَلْناكَ على شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ قال : الشريعة : الدين . وقرأ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحا وَالّذِين أوْحَيْنا إلَيْكَ ، قال : فنوح أوّلهم وأنت آخرهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (18)

المعنى : { ثم جعلناك على شريعة } ، فلا محالة أنه سيختلف عليك كما تقدم لبني إسرائيل فاتبع شريعتك ، والشريعة في كلام العرب : الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه ومنه قول الشاعر : [ البسيط ] .

وفي الشرائع من جيلان مقتنص . . . رث الثياب خفيّ الشخص منسرب{[10269]}

فشريعة الدين هي من ذلك ، كأنها من حيث يرد الناس أمر الحدود ورحمته والقرب منه . وقال قتادة : الشريعة : الفرائض والحدود والأمر والنهي .

وقوله : { من الأمر } يحتمل أن يكون واحد الأمور أي من دون الله ونبواته التي بثها في سالف الزمان ، ويحتمل أن يكون مصدراً من أمر يأمر ، أي على شريعة من الأوامر والنواهي ، فسمى جميع ذلك أمراً . و { الذين لا يعلمون } هم الكفار الذين كانوا يريدون صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى إرادتهم .


[10269]:هذا البيت شاهد على أن الشريعة هي الموضع الذي يرد فيه الناس إلى الأنهار والمياه فيشربون ويستقون، وهو في اللسان(زرب)، وقد نسبه إلى ذي الرمة، والرواية فيه: وبالشمائل من جلان مقتنص رذل الثياب خفي الشخص منزرب قال:"والزرب والزريبة": بئر يحتفرها الصائد، يكمن فيها للصيد، وفي الصحاح: انزرب الصائد في قترته: دخل: قال ذو الرمة:"وبالشمائل من جلان..." البيت، وجلان: قبيلة"اهـ. وعلى هذا فلا شاهد فيه هنا، أما على رواية"وفي الشرائع" فإن الشريعة هي الموضع الذي يُنحدر منه إلى الماء، جاء في اللسان(شرع):"شرع الوارد يشرع وشروعا: تناول الماء بفيه، وشرعت الدواب في الماء: دخلت، والشريعة والشِراع والمشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، قال الليث: وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة"اهـ.وجيْلان-بفتح الجيم وبياء ساكنة كما ضبطه الحموي في معجم البلدان- هم قوم من أبناء فارس انتقلوا إلى نواحي اصطخر فزلوا بطرف من البحرين فغرسوا وزرعوا وحفروا وأقاموا هناك، فنزل عليهم قوم من بني عِجل فدخلوا فيهم، وهذا يتفق مع قول اللسان: جَلاّن: قبيلة. والمقتنص: الصائد، والشخص: كل جسم له ارتفاع وظهور، وغلب في الإنسان، وانسرب: اختفى في شيء،يقول: إن في موارد المياه صائد من قبيلة جلان يخفي شخصه، ويدخل في قُترته ويبقى في انتظار فرائسه. وهذا وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى في الآية(48) من سورة (المائدة):{لكل جعلنا منكم شِرعة ومنهاجا}. راجع الجزء الرابع صفحة(470).