فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (18)

{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ } ثم للاستئناف . والشريعة في اللغة المذهب والملة والمنهاج ، ويقال لمشرعة الماء وهي مورد شاربيه شريعة ، والجمع شرائع ، فاستعير ذلك للدين ؛ لأن العباد يردون ما تحيا به نفوسهم ، ومنه الشارع ؛ لأنه طريق إلى المقصد ، فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين ، أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق ، وقال ابن عباس : على هدى من أمر دينه ، قال قتادة الشريعة الأمر والنهي والحدود والفرائض البينة ، لأنها طريق إلى الحق ، وقال الكلبي السنة ، لأنه يستن بطريقة من قبله من الأنبياء ، وقال ابن زيد : الدين ؛ لأنه طريق إلى النجاة ، وقال ابن العربي : الأمر يرد في اللغة بمعنيين أحدهما بمعنى الشأن كقوله :

{ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } والثاني ما يقابله النهي ، وكلاهما يصح أن يكون مرادا هنا ، وتقديره ثم جعلناك على طريقة من الدين ، وهي ملة الإسلام ، كما قال تعالى { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح ، وإنما خالف بينها في الفروع حسب ما علمه سبحانه وتعالى .

{ فَاتَّبِعْهَا } أي فاعمل بأحكامها في أمتك { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } توحيد الله وشرائعه لعباده ، وهم كفار قريش ومن وافقهم ،