نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (18)

ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها ، فكان تهديدهم تهديداً لنا ، قال مصرحاً بما اقتضاه سوق الكلام وغيره من تهديدنا منبهاً على علو شريعتنا : { ثم } أي بعد فترة من رسلهم ومجاوزة رتب{[58089]} كثيرة عالية على رتبة-{[58090]} شريعتهم { جعلناك } أي{[58091]} بعظمتنا { على شريعة } أي طريقة واسعة عظيمة ظاهرة مستقيمة سهلة موصلة إلى المقصود هي جديرة بأن يشرع الناس فيها ويخالطوها مبتدئة{[58092]} { من الأمر } الذي هو وحينا وهو حياة الأرواح كما أن الأرواح حياة الأشباح .

ولما بين بهذه العبارة بعض فضلها على ما كان قبلها ، سبب عنه قوله موجهاً الخطاب إلى الإمام بما أراد به المأمومين{[58093]} ليكون أدعى إلى اجتهادهم ، فإن أمرهم تكليف وأمر إمامهم تكوين : { فاتبعها } أي بغاية جهدك . ولما كانت الشريعة العقل المحفوظ الذي أخبر الله أنه به يأخذ وبه يعطي ، كان الإعراض عنها إلى غيرها إنما هو هوى ، ولما كان آحاد الأمة غير معصومين أشار إلى العفو{[58094]} عن هفواتهم بقوله تعالى : { ولا تتبع } أي تتعمدوا أن تتبعوا { أهواء الذين لا يعلمون * } أي لا علم لهم أو لهم علم ولكنهم يعملون عمل من ليس لهم علم أصلاً من كفار العرب وغيرهم ، فإن من تعمد اتباعهم {[58095]}فعلت بهم{[58096]} ما فعلت ببني{[58097]} إسرائيل حيث لعنتهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام{[58098]} بعد ما لعنتهم على لسان موسى عليه الصلاة والسلام .


[58089]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: رسل.
[58090]:زيد من ظ و م ومد.
[58091]:سقط من ظ ومد.
[58092]:زيد في الأصل: تامة، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58093]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: المأمومون.
[58094]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: عفوه.
[58095]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فعل.
[58096]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فعل.
[58097]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: بنى.
[58098]:زيدت الواو بعده في الأصل ولم تكن في ظ و م ومد فحذفناها.