59- يحاول الاختفاء عن أعين الناس ، لئلا يروا كآبته ، من الألم الذي أصابه من وجود المولود الذي أخبروه به ، وتستولي عليه حيرة . أيبقيه حياً مع ما يلحقه من الهوان على ذلك في زعمه ؟ ! أم يدفنه في التراب ، وهو حي حتى يموت تحته ؟ تنبه - أيها السامع - لفظاعة عمل هؤلاء . وقبح حكمهم ، الذي ينسبون فيه لله ما يكرهون أن ينسب إلى أنفسهم .
يقول تعالى ذكره : يتوارى هذا المبشّر بولادة الأنثى من الولد له من القوم ، فيغيب عن أبصارهم مِنْ سُوءِ ما بُشّرَ بِهِ ، يعني : من مساءته إياه ، مميلاً بين أن يمسكه على هُون : أي على هوان ، وكذلك ذلك لغة قريش فيما ذكر لي ، يقولون للهوان : الهُون ومنه قول الحطيئة :
فلّما خَشِيتُ الهُونَ والعَيْرُ مُمْسِكٌ *** على رَغْمِهِ ما أثبتَ الحبلَ حافِرُهْ
وبعض بني تميم جعل الهُونَ مصدرا للشيء الهين . ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون : إن كنت لقليل هون المؤنة منذ اليوم قال : وسمعت : الهوان في مثل هذا المعنى ، سمعت منهم قائلاً يقول لبعير له : ما به بأس غير هوانه ، يعني خفيف الثمن ، فإذا قالوا : هو يمشي على هَوْنه ، لم يقولوه إلا بفتح الهاء ، كما قال تعالى : وَعبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ على الأرْضِ هَوْنا . أمْ يَدسّهُ فِي التّرَابِ يقول : يدفنه حيّا في التراب فيئده . كما : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : أيُمْسكُهُ على هُونٍ أمْ يَدُسّهُ في التّرَابِ يئد ابنته .
وقوله : " ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ " يقول : ألا ساء الحكم الذي يحكم هؤلاء المشركون ، وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم ، وجعلوا لما لا ينفعهم ولا يضرّهم شركا فيما رزقهم الله ، وعبدوا من خلقهم وأنعم عليهم .
{ يتوارى من القوم } ، يستخفي منهم . { من سوء ما بُشّر به } ، من سوء المبشر به عرفا . { أيُمسكه } ، محدثا نفسه ، متفكرا في أن يتركه . { على هون } ، ذل ، { أم يدُسّه في التراب } ، أي : يخفيه فيه ويئده ، وتذكير الضمير للفظ { ما } ، وقرئ بالتأنيث فيهما . { ألا ساء ما يحكمون } ، حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.