المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (60)

60- وهو الذي ينيمكم بالليل ، ويوقظكم بالنهار ، ويعلم ما كسبتم فيه حتى ينتهي أجل كل منكم في الدنيا بموته ، ثم يوم القيامة ترجعون جميعاً إلى الله - وحده - يخبركم بأعمالكم في الدنيا من خير أو شر ، ويجازيكم عليها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىَ أَجَلٌ مّسَمّى ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : وقل لهم يا محمد ، والله أعلم بالظالمين : والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم ، وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ يقول : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار . ومعنى التوفّي في كلام العرب : استيفاء العدد ، كما قال الشاعر :

إنّ بني الأدردِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْ ***وَلا تَوَفّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ

بمعنى : لم تدخلهم قريش في العدد . وأما الاجتراح عند العرب : فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه ، وهي الجوارح عندهم جوارح البدن فيما ذكر عنهم ، ثم يقال لكل مكتسب عملاً : جارح ، لاستعمال العرب ذلك في هذه الجوارح ، ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكلّ مكتسب كسبا بأيّ أعضاء جسمه اكتسب : مجترح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ أما «يتوفاكم بالليل » : ففي النوم ، وأما «يعلم ما جرحتم بالنهار » فيقول : ما اكتسبتم من الإثم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ يعني : ما اكتسبتم من الإثم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ قال : ما عملتم بالنهار .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ يعني بذلك : نومهم ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ : أي ما عملتم من ذنب فهو يعلمه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ قال : أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم ، وأما «ما جرحتم بالنهار » فيقول : ما اكتسبتم بالنهار .

وهذا الكلام وإن كان خبرا من الله تعالى عن قدرته وعلمه ، فإن فيه احتجاجا على المشركين به الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم ، فقال تعالى محتجّا علَيهم : وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُمْ باللّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بالنّهارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى يقول : فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار ، لتبلغوا أجلاً مسمّى وأنتم تَرَوْن ذلك وتعلمون صحته ، غير منكر له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم ثم ردّها إلى أجسادكم وإنشائكم بعد مماتكم ، فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون ، وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك القدرة على ما لم تعاينوه ، وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك شبيه ما رأيتم وعاينتم .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى ثُمّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

يعني تعالى ذكره : ثم يبعثكم ، يثيركم ويوقظكم من منامكم فيه ، يعني في النهار . والهاء التي في : «فيه » راجعة على النهار . لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى يقول : ليقضي الله الأجل الذي سماه لحياتكم ، وذلك الموت ، فيبلغ مدته ونهايته . ثُمّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يقول : ثم إلى الله معادكم ومصيركم . ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا ، ثم يجازيكم بذلك ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال : في النهار .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ في النهار ، والبعث : اليقظة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال : في النهار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عبد الله بن كثير : ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ قال : يبعثكم في المنام .

لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى وذلك الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى وهو الموت .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى قال : هو أجل الحياة إلى الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عبد الله بن كثير : لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّى قال : مدتهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (60)

{ وهو الذي يتوفاكم بالليل } ينيمكم فيه ويراقبكم ، استعير التوفي من الموت للنوم لما بينهم من المشاركة في زوال الإحساس والتمييز فإن أصله قبض الشيء بتمامه . { ويعلم ما جرحتم بالنهار } كسبتم فيه خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريا على المعتاد . { ثم يبعثكم } يوقظكم أطلق البعث ترشيحا للتوفي { فيه } في النهار . { ليقضى أجل مسمى } ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا { ثم إليه مرجعكم } بالموت . { ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } بالمجازاة عليه . وقيل الآية خطاب للكفرة والمعنى أنكم ملقون كالجيف بالليل وكاسبون للآثام بالنهار ، وأنه سبحانه وتعالى مطلع على أعمالكم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ، ليقضي الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموت وجزائهم على أعمالهم ، ثم إليه مرجعكم بالحساب ، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون بالجزاء .