قوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون } .
اعلم أنه تعالى لما بين كمال علمه بالآية الأولى بين كمال قدرته بهذه الآية وهو كونه قادرا على نقل الذوات من الموت إلى الحياة ومن النوم إلى اليقظة واستقلاله بحفظها في جميع الأحوال وتدبيرها على أحسن الوجوه حالة النوم واليقظة .
فأما قوله : { الذي يتوفاكم بالليل } فالمعنى أنه تعالى ينيمكم فيتوفى أنفسكم التي بها تقدرون على الإدراك والتمييز كما قال جل جلاله { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } ، فالله جل جلاله يقبض الأرواح عن التصرف بالنوم كما يقضيها بالموت ، وههنا بحث : وهو أن النائم لا شك أنه حي ومتى كان حيا لم تكن روحه مقبوضة البتة ، وإذا كان كذلك لم يصح أن يقال إن الله توفاه فلا بد ههنا من تأويل وهو أن حال النوم تغور الأرواح الحساسة من الظاهر في الباطن فصارت الحواس الظاهرة معطلة عن أعمالها ، فعند النوم صار ظاهر الجسد معطلا عن بعض الأعمال ، وعند الموت صارت جملة البدن معطلة عن كل الأعمال ، فحصل بين النوم وبين الموت مشابهة من هذا الاعتبار ، فصح إطلاق لفظ الوفاة والموت على النوم من هذا الوجه . ثم قال : { ويعلم ما جرحتم بالنهار } يريد ما كسبتم من العمل بالنهار قال تعالى : { وما علمتم من الجوارح } والمراد منها الكواسب من الطير والسباع واحدتها جارحة . وقال تعالى : { والذين اجترحوا السيئات } أي اكتسبوا . وبالجملة فالمراد منه أعمال الجوارح .
ثم قال تعالى : { ثم يبعثكم فيه } أي يرد إليكم أرواحكم في النهار ، والبعث ههنا اليقظة . ثم قال : { ليقضي أجل مسمى } أي أعماركم المكتوبة ، وهي قوله : { وأجل مسمى عنده } والمعنى يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا آجالكم ، ومعنى القضاء فصل الأمر على سبيل التمام ، ومعنى قضاء الأجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت .
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه ينيمهم أولا ثم يوقظهم ثانيا كان ذلك جاريا مجرى الأحياء بعد الإماتة ، لا جرم استدل بذلك على صحة البعث والقيامة . فقال : { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون } في ليلكم ونهاركم وفي جميع أحوالكم وأعمالكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.