ثم ختم - سبحانه - قصتهم مع نبيهم فى هذه السورة بقوله : { وَأُتْبِعُواْ فِي هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة } .
والإِتباع : اقتفاء أثر الشئ بحيث لا يفوته . يقال : أتبع فلان فلانا إذا اقتفى أثره لكى يدركه أو يسير على نهجه .
واللعنة : الطرد بإهانة وتحقير .
أى : أنهم هلكوا مشيعين ومتبوعين باللعن والطرد من رحمة الله فى الدنيا والآخرة .
وقوله : { ألا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } تسجيل لحقيقة حالهم ، ودعاء عليهم بدوام الهلاك ، وتأكيد لسخط الله عليهم .
أى : ألا إن يوم عاد كفروا بنعم ربهم عليهم ، ألا سحقا وبعدا لهم عن رحمة الله ، جزاء جحودهم للحق ، وإصرارهم على الكفر ، واتسحبابهم العمى على الهدى .
وتكرير حرف التنبيه " ألا " وإعادة لفظ " عاد " للمبالغة فى تهويل حالهم وللحض على الاعتبار والاتعاظ بمآلهم .
هذا ، ومن العبر البارزة فى هذه القصة :
1 - أن الداعى إلى الله ، عليه أن يذكر المدعوين بما يستثير مشاعرهم ، ويحقق اطمئنانهم إليه ، ويرغبهم فى اتباع الحق ، ببيان أن اتباعهم لهذا الحق سيؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم وأمنهم وسعادتهم .
وأن الانحراف عنه سيؤدى إلى فقرهم وضعفهم وهلاكهم .
انظر إلى قول هود - عليه السلام - : { وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }
2 - وأن الداعى إلى الله - عندما يخلص لله دعوته ، ويعتمد عليه - سبحانه - فى تبليغ رسالته ، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد .
فإنه فى هذه الحالة سيقف فى وجه الطغاة المناوئين للحق ، كالطود الأشم ، دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم . . لأنه قد آوى إلى ركن شديد .
وهذه العبرة من أبرز العبر فى قصة هود عليه السلام .
ألا تراه وهو رجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا طغاة ، إذا بطشوا بطشوا جبارين ، يدلون بقوتهم ويقولون فى زهو وغرور : من أشد منا قوة .
ومع كل ذلك عندما يتطاولن على عقيدته ؛ ويراهم قد أصروا على عصيانه .
يواجههم بقوله : { إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ . . }
أرأيت كيف واجه هود - عليه السلام - هؤلاء الغلاظ الشداد بالحق الذى يؤمن به دون مبالاة بوعيدهم أو تهديدهم . . ؟
وهكذا الإِيمان بالحق عندما يختلط بالقلب . . يجعل الإِنسان يجهر به دون أن يخشى أحداً إلا الله - تعالى - .
وقوله { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } الآية ، حكم عليهم بهذا الحكم لكفرهم وإصرارهم حتى حل العذاب بهم ، و «اللعنة » : الإبعاد والخزي ، وقد تيقن أن هؤلاء وافوا على الكفر فيلعن الكافر الموافي على كفره ولا يلعن معين حي ، لا من كافر ، ولا من فاسق ، ولا من بهيمة ، كل ذلك مكروه بالأحاديث . و { يوم } ظرف معناه أن اللعنة عليهم في الدنيا وفي يوم القيامة . ثم ذكرت العلة الموجبة لذلك وهي كفرهم بربهم ؛ وتعدى «كفر » بغير الحرف إذ هو بمعنى { جحدوا } كما تقول شكرت لك وشكرتك ، وكفر نعمته وكفر بنعمته ، و { بعداً } منصوب بفعل مقدر وهو مقام ذلك الفعل{[6397]} .
بني فعل { أتبعوا } للمجهول إذْ لاَ غرض في بيان الفاعل ، ولم يسند الفعل إلى اللعنة مع استيفائه ذلك على وجه المجاز ليدل على أنّ إتْبَاعها لهم كان بأمر فاعل للإشعار بأنّها تبعتهم عقاباً من الله لا مجرّد مصادفة .
واللّعنة : الطرد بإهانة وتحقير .
وقرن الدنيا باسم الإشارة لقصد تهوين أمرها بالنّسبة إلى لعنة الآخرة ، كما في قول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة *** لنفسي إلاّ قدْ قضيت قضاءها
أومأ إلى أنّه لا يكترث بالموت ولا يهابه .
وجملة { ألاَ إنّ عاداً كفروا ربّهم } مستأنفة ابتدائية افتتحت بحرف التنبيه لِتهويل الخبر ومؤكدة بحرف { إنّ } لإفادة التعليل بجملة { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } تعريضاً بالمشركين ليعتبروا بما أصاب عاداً .
وعدّيَ { كفروا ربّهم } بدون حرف الجر لتضمينه معنى عَصَوْا في مقابلة { واتّبعوا أمر كلّ جبّارٍ عنيدٍ } ، أو لأنّ المراد تقدير مضاف ، أي نعمة ربّهم لأنّ مادّة الكفر لا تتعدّى إلى الذات وإنما تتعدى إلى أمر معنوي .
وجملة { ألا بعداً لعاد } ابتدائية لإنشاء ذمّ لهم . وتقدّم الكلام على { بعْداً } عند قوله في قصّة نوح عليه السّلام { وقيل بعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ] .
و { قوم هود } بيان ل ( عاد ) أو وصف ل ( عاد ) باعتبار ما في لفظ { قوم } من معنى الوصفية . وفائدة ذكره الإيماء إلى أنّ له أثراً في الذمّ بإعراضهم عن طاعة رسولهم ، فيكون تعريضاً بالمشركين من العرب ، وليس ذكره للاحتراز عن عاد أخرى وهم إرَم كما جوّزه صاحب « الكشاف » لأنّه لا يعرف في العرببِ عاد غير قوم هود وهم إرم ، قال تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بِعادٍ إرَم ذات العماد } [ الفجر : 6 ، 7 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأتبع عاد قوم هود في هذه الدنيا غضبا من الله وسخطة يوم القيامة، مثلها لعنة إلى اللعنة التي سلفت لهم من الله في الدنيا. "أَلاَ إِنّ عَادا كَفَرُوا رَبّهمْ ألا بُعْدا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ "يقول: أبعدهم الله من الخير، يقال: كَفَرَ فلان رَبّه وكفر بَربّه، وشكرت لك وشكرتك. وقيل: إن معنى كفروا ربهم: كفروا نعمة ربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: اللعن هو العذاب؛ أي أتبعوا في الدنيا وفي الآخرة العذاب كقوله (ألا لعنة الله على الظالمين) [هود: 18] أي عذاب الله.
وقوله تعالى: (وأتبعوا) أي ألحقوا. وقيل: إن اللعن هو الطرد، طردوا من رحمة الله حتى لا ينالوها لا في الدنيا ولا في الآخرة (ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) أي ألا بعدا من رحمة الله...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
واللعنة: الدعاء بالإبعاد، من قولك لعنه إذا قال عليه لعنة الله، وأصله الإبعاد من الخير يقال ذئب لعين أي طريد، ولا يجوز أن يلعن شيء من البهائم، وإن كانت مؤذية، لأنه لا يجوز أن يدعى عليها بالإبعاد من رحمة الله...
" ألا بعدا لعاد قوم هود"... والمعنى أبعدهم الله بعدا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أخبر أنهم خسروا الدنيا والآخرة، أمَّا في هذه الدنيا فبالاستئصال بأليم الشدة وما تَبِعَه من اللَّعنة، ثم ما يلقونه في الآخرة من تأبيد العقوبة. وبقاؤهم عن رحمة الله أصعبُ من صنوف كل تلك المحنة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ألا} وتكرارها مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم، تهويل لأمرهم وتفظيع له، وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم. فإن قلت: {بُعْدًا} دعاء بالهلاك، فما معنى الدعاء به عليهم بعد هلاكهم؟ قلت: معناه الدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له... فإن قلت: ما الفائدة في هذا البيان والبيان حاصل بدونه؟ قلت: الفائدة فيه أن يوسموا بهذه الدعوة وسما، وتجعل فيهم أمراً محققاً لا شبهة فيه بوجه من الوجوه، ولأنّ عاداً عادان: الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى إرم...
{وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} أي جعل اللعن رديفا لهم، ومتابعا ومصاحبا في الدنيا وفي الآخرة، ومعنى اللعنة الإبعاد من رحمة الله تعالى ومن كل خير. ثم إنه تعالى بين السبب الأصلي في نزول هذه الأحوال المكروهة بهم فقال: {ألا إن عادا كفروا ربهم} قيل: أراد كفروا بربهم فحذف الباء، وقيل: الكفر هو الجحد. فالتقدير: ألا إن عادا جحدوا ربهم...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد. فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله ومن عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الأشهاد، {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وأُتبعوا} جميعاً بعد إهلاكهم بأيسر وجه لعظيم قدرة المتبع {في هذه الدنيا} حقرها في هذه العبارة بما أشارت إليه الإشارة مع التصغير، وبما دل على الدنو وبأن من اغتر بها فهو ممن وقف مع الشاهد لما له من الجمود {لعنة} أي طرداً وبعداً وإهلاكاً {ويوم القيامة} أي كذلك بل أشد، فكأنه قيل: أفما لمصيبتهم من تلاف؟ فقيل: لا، {ألا} مفتتحاً للإخبار عنهم بهذه الأداة التي لا تذكر إلا بين يدي كلام يعظم موقعه ويجل خطبه، والتأكيد في الإخبار بكفرهم تحقيق لحالهم... فلذلك قال تعالى مبيناً لحالهم بياناً لا خفاء معه: {إن عاداً كفروا} ولم يقصر الفعل، بل عداه إعظاماً لطغيانهم فقال: {ربهم} أي غطوا جميع أنوار الظاهر الذي لا يصح أصلاً خفاءه لأنه لا نعمة على مخلوق إلا منه، فكان كفرهم أغلظ الكفر، ومع ذلك فلم ينثن هود عليه السلام عن إبلاغهم جميع ما أمر به ولا ترك شيئاً مما أوحي إليه فلك به أسوة حسنة وفيهم قدوة، ومن كفر من أحسن إليه بعد بعداً لا قرب معه. ولما كان الأمر عظيماً والخطب جليلاً، كرر الأداة التي تقال عند الأمور الجليلة فقال: {ألا بعداً لعاد} هو من بعد -بكسر العين إذا كان بعده بالهلاك، وبينهم بقوله: {قوم هود} تحقيقاً لهم لأنهم عادان: الأولى والآخرة، وإيماء إلى أن استحقاقهم للإبعاد بما جرى له عليه السلام معهم من الإنكار والدعاء عليهم بعد الهلاك كناية عن الإخبار بأنهم كانوا مستحقين للهلاك؛ والجحد: الخبر عما يعلم صحته أنه لا يعلمها، وهو ضد الاعتراف كما أن النفي ضد الإثبات، فهو خبر بمجرد العدم فهو أعم؛ والعصيان خلاف ما أمر به الداعي على طريق الإيجاب؛ واللعنة: الدعاء بالإبعاد، وأصلها الإبعاد من الخير؛ والإتباع: جعل الثاني على أثر الأول، والإبلاغ أخص منه، والمراد هنا بلوغها لهم لأن الذي قضى بذلك قادر وقد ألحق بهم عذاب الدنيا المبعد لهم من مظان الرحمة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} إتباع الشيء الشيء: لحوقه به وإدراكه إياه بحيث لا يفوته، أي لحقت بهم لعنة في هذه الدنيا فكان كل من علم بحالهم من بعدهم ومن أدرك آثارهم، وكل من بلغه الرسل من بعدهم خبرهم يلعنونهم، {ويوم القيامة} وتتبعهم يوم القيامة عند ما يلعن الأشهاد الظالمين أمثالهم كما تقدم في الآية الثامنة عشرة من هذه السورة. قال قتادة: تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة {ألا إن عادا كفروا ربهم} هذه شهادة مؤكدة عليهم بالكفر أي كفروا نعمه عليهم بجحودهم بآياته وتكذيبهم لرسله كبرا وعنادا، يقال كفره وكفر به، وشكره وشكر له، ومعنى مادة الكفر في الأصل التغطية {ألا بعدا لعاد قوم هود} دعاء عليهم بالهلاك والبعد من الرحمة حكاية لبدئه، وتسجيلا لدوامه، كرر ألا المنبهة لما بعدها تعظيما لأمره، وكرر اسمهم ووصفهم بقوم هود ليفيد السامع بالتكرير تقرير استحقاقهم للعنة والإبعاد وسببه، وأنهم ليس لهم شبهة عذر لرد الدعوة، المعقبة للحرمان مما كانوا فيه من خير ونعمة، والانتهاء إلى ضده من شقاء ونقمة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لقد هلكت عاد لأنهم اتبعوا أمر كل جبار عنيد. هلكوا مشيعين باللعنة في الدنيا وفي الآخرة: (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة).. ثم لا يتركهم قبل أن يسجل عليهم حالهم وسبب ما أصابهم في إعلان عام وتنبيه عال: (ألا إن عادا كفروا ربهم).. ثم يدعو عليهم بالطرد والبعد البعيد: (ألا بعدا لعاد قوم هود).. بهذا التحديد والإيضاح والتوكيد. كأنما يحدد عنوانهم للعنة المرسلة عليهم حتى تقصدهم قصدا: (ألا بعدا لعاد قوم هود)!!!...إن توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد القوامة، وتوحيد الحاكمية، وتوحيد مصدر الشريعة، وتوحيد منهج الحياة، وتوحيد الجهة التي يدين لها الناس الدينونة الشاملة... إن هذا التوحيد هو الذي يستحق أن يرسل من أجله كل هؤلاء الرسل، وأن تبذل في سبيله كل هذه الجهود؛ وأن تحتمل لتحقيقه كل هذه العذابات والآلام على مدار الزمان.. لا لأن الله سبحانه في حاجة إليه، فالله سبحانه غني عن العالمين. ولكن لأن حياة البشر لا تصلح ولا تستقيم ولا ترتفع ولا تصبح حياة لائقة "بالإنسان "إلا بهذا التوحيد الذي لا حد لتأثيره في الحياة البشرية في كل جانب من جوانبها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بني فعل {أتبعوا} للمجهول إذْ لاَ غرض في بيان الفاعل، ولم يسند الفعل إلى اللعنة مع استيفائه ذلك على وجه المجاز ليدل على أنّ إتْبَاعها لهم كان بأمر فاعل للإشعار بأنّها تبعتهم عقاباً من الله لا مجرّد مصادفة. واللّعنة: الطرد بإهانة وتحقير. وقرن الدنيا باسم الإشارة لقصد تهوين أمرها بالنّسبة إلى لعنة الآخرة... وجملة {ألاَ إنّ عاداً كفروا ربّهم} مستأنفة ابتدائية افتتحت بحرف التنبيه لِتهويل الخبر ومؤكدة بحرف {إنّ} لإفادة التعليل بجملة {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} تعريضاً بالمشركين ليعتبروا بما أصاب عاداً...
و {قوم هود} بيان ل (عاد) أو وصف ل (عاد) باعتبار ما في لفظ {قوم} من معنى الوصفية، وفائدة ذكره الإيماء إلى أنّ له أثراً في الذمّ بإعراضهم عن طاعة رسولهم، فيكون تعريضاً بالمشركين من العرب، وليس ذكره للاحتراز عن عاد أخرى وهم إرَم كما جوّزه صاحب « الكشاف» لأنّه لا يعرف في العربِ عاد غير قوم هود وهم إرم، قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بِعادٍ إرَم ذات العماد} [الفجر: 6، 7]...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} في ما تمثله اللعنة من البعد عن ساحة رحمة الله، بما أنزل الله بهم من العذاب، ليبقى ذلك إعلاناً عن الطابع العام الذي يغلب على تلك المرحلة من التاريخ، ودرساً لكل من يسير في هذا الاتجاه. {أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} ليظل هود الوجه الرسالي المشرق الذي تلتقي في شخصيته الروح الرسالية المنفتحة على الواقع بكل سعة الصدر ومرونة الصبر، والإرادة القويّة التي تواجه التحديات بصلابة دون أن تتنازل أو تتراجع أمام تهاويل المخاوف التي تثار حولها، والحكمة العميقة الواعية التي تواجه بها الذهنيات البدائية لهؤلاء الناس الذين يملكون قوّة الجسد دون قوّة الفكر، لعملهم على تنمية أجسادهم دون تنمية أفكارهم. لذلك استخدم هود أساليب بسيطة في الدعوة، حيث تطرح الفكرة ببساطة لا تحوجهم إلى بذل الجهد في فهم الدعوة. وكانت الأساليب العملية في الحركة التي ترقّ عند الحاجة إلى اللين، وتعنف عند الحاجة إلى العنف، دون أي تأثير على موقف عاد الكافر المتمرد الذي لا يخضع لتفاهم الحوار، ولا لتفهُّم الفكر، بل كل ما عنده هو المزيد من الجهل والغرور والكبرياء والتقليد..