165- ومع هذه الدلائل الواضحة اتخذ بعض الناس ممن ضلّت عقولهم أرباباً غير الله يطيعونهم ويعبدونهم كعبادة الله ويجعلونهم مثل الله ، والمؤمن يسلم القيادة لله وحده وطاعته له لا تنقطع ، أما هم فإن ولاءهم لآلهتهم يتزلزل عند النوائب فيلجأون إلى الله سبحانه ، وهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم لو عاينوا ما سينالهم من العذاب يوم الجزاء حين ينكشف ملك الله وتكون الطاعة له وحده ، لانتهوا عن جرمهم وأقلعوا عن إثمهم .
وبعد أن ذكر - سبحانه - جانباً من الآيات الدالة على ألوهيته ووحدانيته ، أردف ذلك ببيان حال المشركين ، وما يكون منهم يوم القيامة من تدابر وتقاطع وتحسر على ما فرط منهم فقال - تعالى - :
{ وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً . . . }
{ أَندَاداً } : جمع ند ، وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه . وأصله من ند البعير يند نداً ونداداً وندوداً ، أي : نفر وذهب على وجهه شارداً . ويرى بعض العلماء أن المراد بالأنداد هنا الأصنام التي اتخذها المشركون آلهة للتقرب بها إلى الله ، وقيل : المراد بها الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم فيما يحلونه لهم ويحرمونه عليهم . والأولى أن يكون المراد بهذه الأنداد كل مخلوق أسند إليه أمر اختص به الله - تعالى - من نحو التحليل ، والتحريم وإيصال النفع وغير ذلك من الأمور التي انفرد بها الخالق - عز وجل - .
والمعنى : أن من الناس من لا يعقل تلك الآيات التي دلت على وحدانية الله وقدرته ، وبلغفت بهم الجهالة أنهم يخضعون لبع المخلوقات خضوعهم لله بزعم أنها مشابهة ومماثلة ومناظرة له - سبحانه - في النفع والضر ، ويحبون تعظيم تلك المخلوقات وطاعتها والتقرب إليها والانقياد لها حبا يشابه الحب اللازم عليهم نحو الله - تعالى - أو يشابه حب المؤمنين لله ، و { مِنَ } في قوله : { وَمِنَ الناس } للتبعيض ، والجار والمجرور خبر مقدم و { مِنَ } في قوله : { مَن يَتَّخِذُ } في محل رفع مبتدأ مؤخر ، و " من دون الله ، حال من ضمير يتخذ و { أَندَاداً } مفعول به ليتخذ .
قال الجمل : وجملة { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله } فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون في محل رفع صفة لمن في أحد وجهيها ، والضمير المرفوع يعود عليها باعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ في يتخذ .
والثاني : أن تكون في محل نصب صفة لأنداداً والضمير المنصوب يعود عليهم والمراد بهم الأصنام ، وإنما جمعوا جمع العقلاء لمعاملتهم معالمة العقلاء . أو أن يكون المراد بهم من عبد من دون الله عقلاء وغيرهم ثم غلب العقلاء على غيرهم .
الثالث : أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في يتخذ ، والضمير المرفوع عائد على ما عاد عليه الضمير في يتخذ وجمع حملا على المعنى .
ثم مدح - سبحانه - عبادة المؤمنين فقالك { والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } .
أي : والذين آمنوا وأخلصوا لله العبادة أشد حباً له - سبحانه - من كل ما سواه ، ومن حب المشركين للأنداد ، ذلك لأن حب المؤمنين لله متولد عن أدلة يقينية ، وعن علم تام ، ببديع حكمته - سبحانه - وبالغ حجته ، وسعة رحمته ، وعدالة أحكامه ، وعزة سلطانه ، وتفرده بالكمال المطلق ، والحب المتولد عن هذا الطريق يكون أشد من حب المشركين لمعبوداتهم لأن حب المشركين لمعبوداتهم متولد عن طريق الظنون والأوهام والتقاليد الباطلة .
والتصريح بالأشدية في قوله : { أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } أبلغ من أن يقال أحب لله ؟ إذ ليس المراد الزيادة في أصل الفعل - كما يقول الآلوسي - بل المراد الرسوخ والثبات .
وقيل : عدل عن أحب إلى أشد حباً ، لأن " حب " شاع في الأشد محبوبية فعدل عنه احترازاً عن اللبس .
ولقد ضرب المؤمنون الصادقون أروع الأمثال في حبهم لله - تعالى - لأنهم ضحوا في سبيله بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم وأغلى شيء لديهم ، ولأنهنم لم يعرفوا عملا يرضيه إلا فعلوه ، ولم يعرفوا عملا يغضبه إلا اجتبوه .
ثم أخبر - سبحانه - عما ينتظر الظالمين من سوء المصير فقال : { وَلَوْ يَرَى الذين ظلموا إِذْ يَرَوْنَ العذاب أَنَّ القوة للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب } { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذول لقصد التهويل ولتذهب النفس في تصويرها كل مذهب و { القوة } القدرة والسلطان .
والمعنى : ولو يرى أولئك المشركون حين يشاهدون العذاب المعدلهم يوم القيامة أن القدرة كلها لله وحده ، وأن عذابه الذي يصيب به المتخطبين في ظلمات الشرك شديد ، لو يعلمون ذلك ، لرأوا ما لا يوصف من الهول والفظاعة ، ولوقعوا فيما لا يكاد يوصف من الحسرة والندامة .
وكان الظاهر بمقتضى تقدم ذكرهم أن يقال : ولو يرون إذ يرون . ولكن وضع الموصول وصلته موضع الضمير ، ليحضر في ذهن السامع أنهم صاروا باتخاذهم الأنداد من الظالمين ، وليشعر بأن سبب رؤيتهم العذاب الشديد هو ذلك الظلم العظيم .
وعبر بالماضي في قوله : { إِذْ يَرَوْنَ العذاب } لتحقق الوقوع ، ولك ما كان كذلك فإنه يجري مجري ما وقع وحصل .
وجملة { أَنَّ القوة للَّهِ جَمِيعاً } سدت مسد مفعولي يرى ، وانتصب لفظ { جَمِيعاً } على التوكيد للقوة . أي . جميع جنس القوة ثابت لله ، وهو مبالغة في عدم الاعتداد بقوة غيره ، فمفاد جميع هنا مفاد لام الاستغراق في قوله : { الحمد للَّهِ } وجملة { وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب } معطوفة على ما قبلها ، وفائدتها المبالغة في تفظيع الخطب ، وتهويل الأمر ، فإن اختصاص القوة به - تعالى - لا يوجب شدة العذاب لجواز تركه عفواً مع القدرة عليه .
هذا ، وقد قرأ نافع وابن عمر " ولو ترى " بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى له الخطاب .
أي : لو ترى ذلك أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب لرأيت أمراً عظمياً في الفظاعة والهول .
{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } من الأصنام . وقيل من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم لقوله تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله { يحبونهم } يعظمونهم ويطيعونهم { كحب الله } كتعظيمه والميل إلى طاعته ، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة ، والمحبة : ميل القلب من الحب ، استعير لحبة القلب ، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها ، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مراضيه ، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة ، وصونه عن المعاصي . { والذين آمنوا أشد حبا لله } لأنه لا تنقطع محبتهم لله تعالى ، بخلاف محبة الأنداد فإنها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب ، ولذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى الله تعالى عند الشدائد ، ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره .
{ ولو يرى الذين ظلموا } ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد { إذ يرون العذاب } إذ عاينوه يوم القيامة . وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة } .
{ أن القوة لله جميعا } ساد مسد مفعولي { يرى } ، وجواب { لو } محذوف . أي لو يعلمون أن القوة لله جميعا إذا عاينوا العذاب لندموا أشد الندم . وقيل هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان ، والتقدير : ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع ، لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره . وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب : { ولو ترى } على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما ، وابن عامر : { إذ يرون } على البناء للمفعول ، ويعقوب { إن } بالكسر وكذا { وإن الله شديد العذاب } على الاستئناف ، أو إضمار القول .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ( 165 )
ذكر الله الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحداً ، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجباً من سوء ضلالهم مع الآيات ، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة ، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ ، وخرج { يتخذ } موحداً على لفظ { من } والمعنى جمعه ، و { من دون } لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه { دون } عن القضية التي فيها الكلام( {[1512]} ) ، وتفسير { دون } بسوى أو بغير لا يطرد ، والند والنظير والمقاوم والموازي كان ضداً أو خلافاً أو مثلاً ، إذا قاوم من جهة فهو منها ند ، وقال مجاهد وقتادة : المراد بالأنداد الأوثان ، وجاء ضميرها في { يحبونهم } ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل ، وقال ابن عباس والسدي : المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى ، و { يحبونهم } في موضع نصب نعت للأنداد ، أو على الحال من المضمر في { يتخذ } ، أو يكون في موضع رفع نعت { لمن } وهذا على أن تكون { من } نكرة والكاف من { كحب } في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، و { حب } مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر ، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة ، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان( {[1513]} ) .
ثم أخبر أن المؤمنين { أشد حباً الله } لإخلاصهم وتيقنهم الحق( {[1514]} ) .
وقوله تعالى : { ولو ترى الذين ظلموا } قرأ نافع وابن عامر «ترى » بالتاء من فوق( {[1515]} ) ، و «أن » بفتح الألف ، و «أن » الأخرى كذلك عطف على الأولى ، وتقدير ذلك : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله ، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى ، وهو العامل في «أن » وتقدير آخر : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ، ولكن خوطب والمراد أمته ، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا ، وتقدير ثالث : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم ، فاللام مضمرة قبل «أن » فهي مفعول من أجله ، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك ، وقد حذف جواب { لو } مبالغة ، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله( {[1516]} ) ، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت ، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر { ترى } بالتاء من فوق وكسر الهمزة من «إن » ، وتأويل ذلك : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم ، ثم ابتدأ الخبر بقوله «إن القوة لله » ، وتأويل آخر : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعاً لاستعظمت حالهم .
وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير «يرى » بالياء من أسفل ، وفتح الألف من «أن » ، تأويله : ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعاً ، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش : ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً لاستعظموا ما حل بهم ، ف «يرى » عامل في «أن » وسدت مسد المفعولين .
وقال أبو علي : ( {[1517]} )«الرؤية في هذه الآية رؤية البصر » ، والتقدير في قراءة الياء : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعاً ، وحذف جواب { لو } للمبالغة ، ويعمل في «أن » الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدراً ، ودخلت { إذ } وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه ، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } [ الأعراف : 50 ] ، و { أتى أمر الله }( {[1518]} ) [ النحل : 1 ] ، ومنه قول الأشتر النخعي : [ الكامل ]
بقيت وفري وانحرفت عن العلا . . . ولقيت أضيافي بوجه عبوس( {[1519]} )
وقرأت طائفة «يرى » بالياء من أسفل وكسر الألف من «إن » ، وذلك إما على حذف الجواب وابتداء الخبر ، وإما على تقدير : لقالوا إن القوة لله جميعاً ، وقرأ ابن عامر وحده «يُرون » بضم الياء والباقون بفتحها .
وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة( {[1520]} ) ، وقالت طائفة : { الذين اتبعوا } : كل من عبد من دون الله ، وقال قتادة : هم الشياطين المضلون ، وقال الربيع وعطاء : هم رؤساؤهم .
عطف على إن في خلق السموات والأرض { وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله والذين ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [ البقرة : 164 ] الخ لأن تلك الجملة تضمنت أن قوماً يعقلون استدلوا بخلق السموات والأرض وما عطف عليه على أن الله واحد فوحدوه ، فناسب أن يعطف عليه شأن الذين لم يهتدوا لذلك فاتخذوا لأنفسهم شركاء مع قيام تلك الدلائل الواضحة ، فهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله هم المتحدث عنهم آنفاً بقوله تعالى : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } [ البقرة : 161 ] الآيات .
وقوله : { ومن الناس } خبر مقدم وقد ذكرنا وجه الإخبار به وفائدة تقديمه عند قوله تعالى : { ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } [ البقرة : 8 ] وعطفُه على ذكر دلائل الوحدانية وتقديمُ الخبر وكونُ الخبر { من الناس } مؤذن بأنه تعجبٌ من شأنهم .
و { مَنْ } في قوله : { من يتخذ } ما صدْقُها فريق لا فرد بدليل عود الضمير في قوله : { يحبونهم كحب الله } .
والمراد بالأنداد الأمثال في الألوهية والعبادة ، وقد مضى الكلام على النِّد بكسر النون عند قوله تعالى : { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } [ البقرة : 22 ] .
وقوله : { من دون الله } معناه مع الله لأن كلمة دون تؤذن بالحيلولة لأنها بمعنى وراء فإذا قالوا اتخذه دون الله فالمعنى أنه أفرده وأعرض عن الله وإذا قالوا اتخذه من دون الله فالمعنى أنه جعله بعض حائل عن الله أي أشركه مع الله لأن الإشراك يستلزم الإعراض عن الله في أوقات الشغل بعبادة ذلك الشريك .
وقوله : { من دون الله } خال من ضمير { يتخذ } ، وقوله : { يحبونهم } بدل من { يتخذ } بدل اشتمال ، لأن الاتخاذ يشتمل على المحبة والعبادة ، ويجوز كونه صفة لمَن ، وجوِّز أن يكون صفة لأنداداً لكنه ضعيف لأن فيه إيهام الضمائر لاحتمال أن يفهم أن المحب هم الأنداد يحبون الذين اتخذوهم ، والأظهر أن يكون حالاً من ( مَن ) تفظيعاً لحالهم في هذا الاتخاذ وهو اتخاذ أنداد سووها بالله تعالى في محبتها والاعتقاد فيها .
والمراد بالأنداد هنا وفي مواقعه من القرآن ، الأصنام لا الرؤساء كما قيل ، وعاد عليهم ضمير جماعة العقلاء المنصوب في قوله : { يحبونهم } لأن الأصنام لما اعتقدوا ألوهيتها فقد صارت جديرة بضمير العقلاء على أن ذلك مستعمل في العربية ولو بدون هذا التأويل ، والمحبة هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو مَيل النفس إلى الحَسن عندها بمعاينة أو سماع أو حصول نفع محقق أو موهوم لعدم انحصار المحبة في ميل النفس إلى المرئيات خلافاً لبعض أهل اللغة فإن الميل إلى الخُلُق ( بضم الخاء ) الحسن وإلى الفعل الحسن والكمال ، محبة أشد من محبة محاسن الذات فتشترك هذه المعاني في إطلاق اسم المحبة عليها باعتبار الحاصل في النفس وقطع النظر عن سبب حصوله .
فالتحقيق أن الحب يتعلق بذِكر المرء وحصول النفعِ منه وحُسْن السمعة وإن لم يره فنحن نحب الله لما نعلمه من صفات كماله ولما يصلنا من نعمته وفضله ورحمته ، ونحب رسوله لما نعلم من كماله ولِما وصل إلينا على يديه ولما نعلم من حرصه على هدينا ونجاتنا ، ونحب أجدادنا ، ونحب أسلافنا من علماء الإسلام ، ونحب الحكماء والمصلحين من الأولين والآخرين ، ولله در أبي مدين في هذا المعنى :
كم من محب قد أحب وما رأى*** وعشق الفتى بالسمع مرتبة أخرى
ومن الناس من زعم أن تعلق المحبة بالله مجاز مرسل في الطاعة والتعظيم بعلاقة اللزوم لأن طاعة المحب للمحبوب لازم عرفي لها قال الجَعْدي :
لو كان حبك صادقاً لأطعته*** إن المحب لمن يحب مطيع
أو مجاز بالحذف ، والتقدير : يحبون ثواب الله أو نعمته لأن المحبة لا تتعلق بذات الله ، إما لأنها من أنواع الإرادة ، والإرادة لا تتعلق إلا بالجائزات وهو رأي بعض المتكلمين ، وإما لأنها طلب الملائم . واللذة لا تحصل بغير المحسوسات وكلا الدليلين ظاهر الوهن كما بينه الفخر ، وعلى هذا التفصيل بين إطلاقي المحبة هنا يكون التشبيه راجعاً إلى التسوية في القوة .
ومنهم من جعل محبة الله تعالى مجازاً وجعلها في قوله : { يحبونهم } أيضاً مجازاً وعلى ذلك درج في « الكشاف » وكان وجهه أن الأصل في تشبيه اسم بمثله أن يكون تشبيه فرد من الحقيقة بآخر منها . وقد علمت أنه غير متعين . وقوله : { كحب الله } مفيد لمساواة الحبين ؛ لأن أصل التشبيه المساواة وإضافة حب إلى اسم الجلالة من الإضافة إلى المفعول فهو بمنزلة الفعل المبني إلى المجهول . فالفاعل المحذوف حذف هنا لقصد التعميم أي كيفما قدرت حب محب لله فحب هؤلاء أندادهم مساو لذلك الحب ، ووجه هذا التعميم أن أحوال المشركين مختلفة ، فمنهم من يعبد الأنداد من الأصنام أو الجن أو الكواكب ويعترف بوجود الله ويسوي بين الأنداد وبينه ، ويسميهم شركاء أو أبناء لله تعالى ، ومنهم من يجعل لله تعالى الإلهية الكبرى ويجعل الأنداد شفعاء إليه ، ومنهم من يقتصر على عبادة الأنداد وينسى الله تعالى قال تعالى : { نسوا فأنساهم أنفسهم } [ الحشر : 19 ] ، ومن هؤلاء صابئة العرب الذين عبدوا الكواكب ، ولله تعالى محبون من غير هؤلاء ومن بعض هؤلاء ، فمحبة هؤلاء أندادهم مساوية لمحبة محبي الله إياه أي مساوية في التفكير في نفوس المحبين من الفريقين فيصح أن تقدر يحبونهم كما يحب أن يحب الله أو يحبونهم كحب الموحدين لله إياه أو يحبونهم كحبهم الله ، وقد سلك كل صورة من هذه التقادير طائفة من المفسرين ، والتحقيق أن المقدر هو القدر المشترك وهو ما قدرناه في أول الكلام .
واعلم أن المراد إنكار محبتهم الأنداد من أصلها لا إنكار تسويتها بحب الله تعالى وإنما قيدت بمماثلة محبة الله لتشويهها وللنداء على انحطاط عقول أصحابها وفيه إيقاظ لعيون معظم المشركين وهم الذين زعموا أن الأصنام شفعاء لهم كما كثرت حكاية ذلك عنهم في القرآن فنبهوا إلى أنهم سووا بين محبة التابع ومحبة المتبوع ومحبة المخلوق ومحبة الخالق لعلهم يستفيقون فإذا ذهبوا يبحثون عما تستحقه الأصنام من المحبة وتطلبوا أسباب المحبة وجدوها مفقودة كما قال إبراهيم عليه السلام : { بَأَبَتِ لم تعبد ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يغني عنك شيئاً } [ مريم : 42 ] مع ما في هذه الحال من زيادة موجب الإنكار .
وقوله : { والذين أمنوا أشد حباً لله } أي أشد حبّاً لله من محبة أصحاب الأنداد أندادهم ، على ما بلغوا من التصلب فيها ، ومن محبة بعضهم لله ممن يعترف بالله مع الأنداد ، لأن محبة جميع هؤلاء المحبين وإن بلغوا ما بلغوا من التصلب في محبوبيهم لمَّا كانت محبة مجردة عن الحجة لا تبلغ مبلغ أصحاب الاعتقاد الصميم المعضود بالبرهان ، ولأن إيمانهم بهم لأغراض عاجلة كقضاء الحاجات ودفع الملمات بخلاف حب المؤمنين لله فإنه حب لذاته وكونِه أهلاً للحب ثم يتبع ذلك أغراض أعظمها الأغراض الآجلة لرفع الدرجات وتزكية النفس .
والمقصود تنقيص المشركين حتى في إيمانهم بآلهتهم فكثيراً ما كانوا يُعرضون عنها إذا لم يجدوا منها ما أمَّلوه . فمورد التسوية بين المحبتين التي دل عليها التشبيه مخالف لمورد التفضيل الذي دل عليه اسم التفضيل هنا ، لأن التسوية ناظرة إلى فرط المحبة وقت خطورها ، والتفضيل ناظر إلى رسوخ المحبة وعدم تزلزلها ، وهذا مأخوذ من كلام « الكشاف » ومصرح به في كلام البيضاوي مع زيادة تحريره ، وهذا يغنيك عن احتمالات وتمحلات عرضت هنا لبعض المفسرين وبعض شراح « الكشاف » .
روي أن امرأَ القيس لما أراد قتال بني أسد حين قتلوا أباه حُجْراً ملكَهم مر على ذي الخُلَصة الصَّنم الذي كان بتَبَالَة بين مكة واليَمنِ فاستقسم بالأزلام التي كانت عند الصَّنم فخرج له القدح الناهي ثلاث مرات{[170]} فكَسَر تلك القِداح ورمى بها وجه الصَّنم وشتمه وأنشد :
لو كنتَ ياذَا الخلص المَوْتُورا *** مِثلي وكانَ شيخك المقبورا
* لم تَنْه عن قتل العُداة زورَا *
ورُوي أن رجلاً من بني مَلْكَان جاء إلى سَعْد الصَّنم بساحل جُدَّةَ وكان معه إبل فنفرت إبله لما رأت الصَّنم{[171]} فغضب المَلْكاني على الصَّنم ورماه بحجَر وقال :
أتينَا إلى سَعْد ليَجْمَع شملنـا *** فشتَّتنَا سَعْد فما نَحْنُ من سَعْــد
وهلْ سَعْدٌ إلاَّ صَخْرَةٌ بتَنَوفَة *** من الأرض لا تدعو لِغيٍّ ولا رُشد
وإنما جيء بأفعل التفضيل بواسطة كلمة { أشد } قال التفتزاني : آثر { أشدُّ حباً } على أحَبُّ لأن أحب شاع في تفضيل المحبوب على محبوب آخر تقول : هو أحب إلي ، وفي القرآن : { قل إن كان أباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله } [ التوبة : 24 ] الخ . يعني أن فعل أحب هو الشائع وفعل حب قليل فلذلك خصوا في الاستعمال كلاً بمواقع نفياً للبس فقالوا : أحب وهو محب وأشد حباً وقالوا حبيب من حب وأحب إلى من حب أيضاً .
عطف على قوله : { ومن الناس من يتخذ } وذلك أن قوله ذلك لما كان شرحاً لحال ضلالهم الفظيع في الدنيا من اتخاذ الأنداد لله مع ظهور أدلة وحدانيته حتى كان قوله : { ومن الناس } مؤذناً بالتعجيب من حالهم كما قدمنا ، وزيد في شناعته أنهم اتخذوا لله أنداداً وأحبوها كحبه ، ناسب أن ينتقل من ذلك أي ذكر عاقبتهم من هذا الصنيع ووصف فظاعة حالهم في الآخرة كما فظع حالهم في الدنيا .
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب { ولو ترى } بتاء فوقية وهو خطاب لغير معين يعم كل من يسمع هذا الخطاب ، وذلك لتناهي حالهم في الفظاعة والسوء ، حتى لو حضرها الناس لظهرت لجميعهم ويجوز أن يكون الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم ( فالذين ظلموا ) مفعول ( ترى ) على المعنيين ، و ( إذ ) ظرف زمان ، والرؤية بصرية في الأول والثاني لتعلقها في الموضعين بالمرئيات ، ولأن ذلك مورد المعنى ، إلاّ أن وقت الرؤيتين مختلف ، إذ المعنى لو تراهم الآن حين يرون العذاب يوم القيامة ، أي لو ترى الآن حالهم ، وقرأه الجمهور { يرى الذين ظلموا بالتحتية فيكون الذين ظلموا } فاعل { يرى } والمعنى أيضاً لو يرون الآن ، وحذف مفعول { يرى } لدلالة المقام ، تقديره لو يرون عذابهم أو لو يرون أنفسهم أو يكون ( إذ ) اسماً غير ظرف أي لو ينظرون الآن ذلك الوقت فيكون بدل اشتمال من { الذين ظلموا } .
و { الذين ظلموا } هم الذين اتخذوا من دون الله أنداداً فهو من الإظهار في مقام الإضمار ليكون شاملاً لهؤلاء المشركين وغيرهم ، وجعل اتخاذهم الأنداد ظلماً لأنه اعتداء على عدة حقوق فقد اعتدوا على حق الله تعالى من وجوب توحيده ، واعتدوا على من جعلوهم أنداداً لله على العقلاء منهم مثل الملائكة وعيسى ، ومثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، فقد ورد في « الصحيح » عن ابن عباس أنهم كانوا رجالاً صالحين من قوم نوح فلما ماتوا اتخذ قومهم لهم تماثيل ثم عبدوها ، ومثل ( اللات ) يزعم العرب أنه رجل كان يلت السويق للحجيج وأن أصله اللات بتشديد التاء ، فبذلك ظلموهم إذ كانوا سبباً لهول يحصل لهم من السؤال يوم القيامة كما قال الله تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ] وقال : { ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } [ سبأ : 40 ] الآية وقال : { ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } [ الفرقان : 17 ] الآية ، وظلموا أنفسهم في ذلك بتعريضها للسخرية في الدنيا وللعذاب في الآخرة وظلموا أعقابهم وقومهم الذين يتبعونهم في هذا الضلال فتمضي عليه العصور والأجيال ، ولذلك حذف مفعول { ظلموا } لقصد التعميم ، ولك أن تجعل { ظلموا } بمعنى أشركوا كما هو الشائع في القرآن قال تعالى عن لقمان : { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] وعليه فالفعل منزَّل منزلة اللازم لأنه صار كاللقب .
وجملة : { والذين أمنوا أشد حباً لله } معترضة والغرض منها التنويه بشأن الذين آمنوا بأن حبهم لله صار أشد من حبهم الأنداد التي كانوا يعبدونها وهذا كقول عُمر بن الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم " لأنت أَحب إليّ من نفسي التي بين جنبيّ " .
وتركيب { لو ترى } وما أشبهه نحو لو رأيتَ من التراكيب التي جرت مجرى المثل فبنيت على الاختصار وقد تكرر وقوعها في القرآن .
وجواب { لو } محذوف لقصد التفخيم وتهويل الأمر لتذهب النفس في تصويره كل مذهب ممكن ونظيره { ولو ترى إذ الظالمون في غمَرَات الموت } [ الأنعام : 93 ] { ولو ترى إذ وقفوا على النار } [ الأنعام : 27 ] { ولو أن قرءاناً سيرت به الجبال } [ الرعد : 31 ] ، قال المرزوقي عند قول الشَّمَيْذَرِ الحارثي :
وقد ساءني ما جرَّتت الحرب بيننا *** بنِي عَمِّنا لو كان أمراً مُدَانِيا
« حَذْفُ الجواب في مثل هاته المواضع أبلغ وأدل على المراد بدليل أن السيد إذا قال لعبده لئن قمتُ إليك ثم سكتَ تزاحم على العبد من الظنون المعترضة للتوعد ما لا يتزاحم لو نص على ضربٍ من العذاب » ، والتقدير على قراءة نافع وابن عامر لرأيتَ أمراًعظيماً وعلى قراءة الجمهور لرأوا أمراً عظيماً .
وقوله : { أن القوة } قرأَه الجمهور بفتح همزة أَنَّ وهو بدل اشتمال من { العذاب } أو من { الذين ظلموا } فإن ذلك العذاب من أحوالهم ، ولا يضر الفصل بين المبدل منه والبدل لطول البدل ، ويجوز أن يكون على حذف لام التعليل والتقدير لأن القوة لله جميعاً والتعليل بمضمون الجواب المقدر أي لرأيت ما هو هائل لأنه عذاب الله ولله القوة جميعاً .
{ وجميعاً } استعمل في الكثرة والشدة فقوة غيره كالعدم وهذا كاستعمال ألفاظ الكثرة في معنى القوة وألفاظ القلة في معنى الوهن كما في قول تأبط شراً :
قليلُ التشكي للمُلِمِّ يصيبُه *** كثيرُ الهوى شتَّى النَّوى والمسالك
وقرأه أبو جعفر ويعقوب { إِن القوة } بكسر الهمزة على الاستئناف البياني كأن سائلاً قال : ماذا أرى وما هذا التهويل ؟ فقيل : إن القوة ولا يصح كونها حينئذٍ للتعليل التي تغني غناء الفاء كما هي في قول بشار :
لأن ذلك يكون في مواقع احتياج ما قبلها للتعليل حتى تكون صريحة فيه .
وقرأ ابن عامر وحده { إذ يرون العذاب } بضم الياء أي إذ يريهم الله العذاب في معنى قوله : { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات } [ البقرة : 167 ] .
وانتصب ( جميعاً ) على التوكيد لِقوله ( القوة ) أي جميع جنس القوة ثابت لله ، وهو مبالغة لعدم الاعتداد بقوة غيره فمفاد جميع هنا مفاد لام الاستغراق في قوله { الحمد لله } [ الفاتحة : 2 ] .
وقد جاء ( لو ) في مثل هذا التركيب بشرط مضارع ووقع في كلام الجمهور من النحاة أن لو للشرط في الماضي وأن المضارع إذا وقع شرطاً لها يُصرف إلى معنى الماضي إذا أريد استحضار حالة ماضية وأما إذا كان المضارع بعدها متعيناً للمستقبل فأوَّلَه الجمهور بالماضي في جميع مواقعه وتكلفوا في كثير منها كما وقع لصاحب « المفتاح » ، وذهب المبرد وبعض الكوفيين إلى أن لو حرْف بمعنى إِنْ لمجرد التعليق لا للامتناع ، وذهب ابن مالك في « التسهيل » و« الخلاصة » إلى أن ذلك جائز لكنه قليل وهو يريد القلة النسبية بالنسبة لوقوع الماضي وإلاّ فهو وارد في القرآن وفصيح العربية .
والتحقيق أن الامتناع الذي تفيده ( لو ) متفاوت المعنى ومرجعه إلى أن شرطها وجوابها مفروضان فرضاً وغير مقصود حصول الشرط فقد يكون ممكن الحصول وقد يكون متعذراً ولذلك كان الأولى أن يعبر بالانتفاء دون الامتناع لأن الامتناع يوهم أنه غير ممكن الحصول فأما الانتفاء فأعم ، وأن كون الفعل بعدها ماضياً أو مضارعاً ليس لمراعاة مقدار الامتناع ولكن ذلك لمقاصد أخرى مختلفة بالاختلاف مفاد الفعلين في مواقعها في الشروط وغيرها ، إذ كثيراً ما يراد تعليق الشرط بلو في المستقبل نحو قول توبة :
ولو تلتقِي أصداؤنا بعد موتنـــا *** ومِنْ بين رَمْسينا من الأرض سَبسبُ
لظل صدَى صوتي وإن كنتُ رِمَّةً *** لصوت صدى ليلى يهشُّ ويَطْــرَبُ