المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

45- الله خالق كل شيء ، وأبدع الأشياء بإرادته ، وخلق كل حي يدب من أصل مشترك هو الماء ، لذلك لا يخلو الحي منه ، ثم خالف بينها في الأنواع والاستعدادات ووجوه الاختلاف الأخرى ، فمن الدواب نوع يزحف علي بطنه كالأسماك والزواحف ، ومنها نوع يمشى علي رجليه كالإنسان والطير ، ومنها نوع يمشى علي أربع كالبهائم ، يخلق الله ما يشاء من خلقه علي أية كيفية تكون للدلالة علي قدرته وعلمه ، فهو المريد المختار ، وهو القادر علي كل شيء{[153]} .


[153]:تعليق الخبراء علي الآية 45: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي علي بطنه ومنهم من يمشي علي رجلين ومنهم من يمشي علي أربع، يخلق ما يشاء، إن الله علي كل شيء قدير}: الماء في الآية الكريمة هو ماء التناسل ـ أي المشتمل علي الحيوانات المنوية، والآية الكريمة لم تسبق فقد ركب العلم في بيان نشوء الإنسان من النطفة، كما جاء في قوله تعالي: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق ماء دافق} (الآيات 5، 6 من سورة الطارق) بل سبقته كذلك في بيان أن كل دابة تدب في الأرض خلقت كذلك بطريق التناسل من الحيوانات المنوية، وإن اختلفت أشكال هذه الحيوانات المنوية وخصائصها في كل نوع من أنواع هذه الدواب. ومما تحتمله الآية من معان علمية أن الماء قوام تكوين كل كائن حي، فمثلا يحتوي جسم الإنسان علي نحو: 70 في المائة من وزنه ماء، أي أن الشخص الذي يزن 70 كجم في جسمه نحو 50 كجم ماء. ولم يكن تكوين الجسم واحتوائه هذه الكمية الكبيرة من الماء معروفا مطلقا قبل نزول القرآن. والماء أكثر ضرورة للإنسان من الغذاء، فبينما الإنسان يمكنه أن يعيش 60 يوما بدون غذاء، لا يمكنه أن يعيش بدون الماء إلا من 3 – 10 علي أقصى تقدير. والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوي والسائل النخاعي وإفرازات الجسم كالبول والعرق والدموع واللعاب والصفراء واللبن والمخاط والسوائل الموجودة في المفاصل. وهو سبب رخاوة الجسم وليونته، ولو فقد الجسم 20 في المائة فإن الإنسان يكون معرضا للموت. والماء يذيب المواد الغذائية بعد هضمها فيمكن امتصاصها، وهو كذلك يذيب الفضلات من عضوية ومعدنية في البول والعرق وهكذا يكون الماء الجزء الأكبر والأهم من تكوين الجسم, ولذلك يمكن القول بأن كل كائن حي مخلوق من الماء.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

ثم ساق - سبحانه - دليلا ثالثا من واقع خلق كل دابة ، وبديع صنعه فيما خلقه فقال : { والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ . . . } .

والدابة : اسم لكل حيوان ذى روح ، سواء أكان من العقلاء أم من غيرهم . وهذا اللفظ مأخوذ من الدبيب ، بمعنى المشى الخفيف .

وتطلق الدابة فى العرف على ذوات الأربع ، والمراد بها هنا ما هو أعم من ذلك .

قال بعض العلماء : " وهذه الحقيقة الضخمة التى يعرضها القرآن بهذه البساطة ، حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء ، قد تعنى وحدة العنصر الأساسى فى تركيب الأحياء جميعا ، وهو الماء ، وقد تعنى ما يحاول العلم الحديث أن يتبعه من أن الحياة خرجت من البحر ، ونشأت أصلا فى الماءن ثم تنوعت الأنواع وتفرعت الأجناس .

ولكنا نحن على طريقتنا فى عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل . . . . لا نزيد على هذه الإشارة شيئا ، مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية ، وهى أن الله - تعالى - خلق الأحياء كلها من الماء ، فهى ذات أصل واحد ، ثم هى - كما ترى العين - متنوعة الأشكال . . .

وقال الإمام الرازى : فإن قيل لماذا نكر الماء هنا ، وجاء معرفا فى قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } والجواب : إنما جاء هنا منكرا ، لأن المعنى ، أنه خلق كل دابة من نوع من الماء يختص بتلك الدابة ، وإنما جاء معرفا فى قوله { وَجَعَلْنَا مِنَ المآء } لأن المقصود هناك ، كونهم مخلوقين من هذا الجنس ، وههنا بيان أن ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة .

وقوله - تعالى - : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ .

. . } تفصيل لهذه المخلوقات التى خلقت من الماء .

والضمير فى " منهم " يعود إلى " كل " باعتبار معناه ، وفيه تغليب العاقل على غيره .

أى : فمن هذه الدواب من يمشى على بطنه كالزواحف وما يشبهها ، " ومنهم من يمشى على رجلين " كالإنس والطير " ومنهم من يمشى على أربع " كالأنعام والوحوش " يخلق الله " - تعالى - " ما يشاء " خلقه من دواب وغيرها على وفق إرادته وحكمته " إن الله على كل شىء قدير " فلا يعجزه - سبحانه - خلق ما يريد خلقه ، ولا يمنعه من ذلك مانع ، بل كل شىء خاضع لقدرته - عز وجل .

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من الأدلة على قدرة الله - تعالى - . منها ما يتعلق بالكائن العلوى ، ومنها ما يتعلق بالزمان ، ومنها ما يتعلق بخلق أنواع الدواب على اختلاف أشكالها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم ، في خلقه أنواع [ المخلوقات ]{[21291]} . على اختلاف أشكالها وألوانها ، وحركاتها وسكناتها ، من ماء واحد ، { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ } كالحية وما شاكلها ، { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير ، { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } كالأنعام وسائر الحيوانات ؛ ولهذا قال : { يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } أي : بقدرته ؛ لأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .


[21291]:- زيادة من ف ، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (45)

لما كان الاعتبار بتساوي أجناس الحيوان في أصل التكوين من ماء التناسل مع الاختلاف في أول أحوال تلك الأجناس في آثار الخلقة وهو حال المشي إنما هو باستمرار ذلك النظام بدون تخلف وكان ذلك محققاً كان إفراغ هذا المعنى بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي مفيداً لأمرين : التحقق بالتقديم على الخبر الفعلي . والتجدد بكون الخبر فعلياً .

وإظهار اسم الجلالة دون الإضمار للتنويه بهذا الخلق العجيب .

واختير فعل المضي للدلالة على تقرير التقوّي بأن هذا شأن متقرر منذ القدم مع عدم فوات الدلالة على التكرير حيث عقب الكلام بقوله : { يخلق الله ما يشاء } .

وقرأ الجمهور { والله خلق كل دابة } بصيغة فعل المضي ونصب { كل } . وقرأه الكسائي { والله خالق كل دابة } بصيغة اسم الفاعل وجر { كل } بإضافة اسم الفاعل إلى مفعوله .

والدابة : ما دبّ على وجه الأرض ، أي مشى . وغُلب هنا الإنسان فأتي بضمير العقلاء مراداً به الإنسان وغيره مرتين .

وتنكير { ماء } لإرادة النوعية تنبيهاً على اختلاف صفات الماء لكل نوع من الدواب إذ المقصود تنبيه الناس إلى اختلاف النطف للزيادة في الاعتبار .

وهذا بخلاف قوله : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } [ الأنبياء : 30 ] إذ قُصد ثمة إلى أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من جنس الماء وهو جنس واحد اختلفت أنواعه ، فتعريف الجنس هناك إشارة إلى ما يعرفه الناس إجمالاً ويعهدونه من أن الحيوان كله مخلوق من نطف أصوله . وهذا مناط الفرق بين التنكير كما هنا وبين تعريف الجنس كما في آية { وجعلنا من الماء كل شيء حيّ } [ الأنبياء : 30 ] .

و { من } ابتدائية متعلقة ب { خلق } .

ورتب ذكر الأجناس في حال المشي على ترتيب قوة دلالتها على عظم القدرة لأن الماشي بلا آلة مشيٍ متمكنةٍ أعجب من الماشي على رجلين ، وهذا المشي زحفاً . أطلق المشي على الزحف بالبطن للمشاكلة مع بقية الأنواع . وليس في الآية ما يقتضي حصر المشي في هذه الأحوال الثلاثة لأن المقصود الاعتبار بالغالب المشاهد .

وجملة : { يخلق الله ما يشاء } زيادة في العبرة ، أي يتجدد خلق الله ما يشاء أن يخلقه مما علمتم وما لم تعلموا . فهي جملة مستأنفة .

وجملة : { إن الله على كل شيء قدير } تعليل وتذييل . ووقع فيه إظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار ليكون كلاماً مستقلاً بذاته لأن شأن التذييل أن يكون كالمثل .