المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

67- ومن سمات عباد الرحمن : الاعتدال في إنفاقهم المال على أنفسهم وأسرهم ، فهم لا يبذرون ولا يضيقون في النفقة ، بل نفقتهم وسط بين الأمرين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

ثم بين - سبحانه - حالهم فى سلوكهم وفى معاشهم فقال - تعالى - : { والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ . . . } .

أى : أن من صفاتهم أنهم ملتزمون فى إنفاقهم التوسط ، فلا هم مسرفون ومتجاوزون للحدود التى شرعها الله - تعالى - ولا هم بخلاء فى نفقتهم إلى درجة التقتير والتضييق ، وإنما هم خيار عدول يعرفون أن خير الأمور أوسطها .

واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } يعود إلى المذكور من الإسراف والتقتير . والقوام : الشىء بين الشيئين . وقوام الرجل : قامته وحسن طوله وهيئته ، وهو : خبر لكان ، واسمها : مقدر فيها .

أى : وكان إنفاقهم " قواما " أى وسطا بين الإسراف والتقتير والتبذير والبخل ، فهم فى حياتهم نموذج يقتدى به فى القصد والاعتدال والتوازن . وذلك لأن الإسراف والتقتير كلاهما مفسد لحياة الأفراد والجماعات والأمم ، لأن الإسراف تضييع للمال فى غير محله . والتقتير إمساك له عن وجوهه المشروعة ، أما الوسط والاعتدال فى إنفاق المال ، فهو سمة من سمات العقلاء الذين على أكتفاهم تنهض الأمم ، وتسعد الأفراد والجماعات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } أي : ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عَدْلا خيارًا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } ، كَمَا قَالَ : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [ الإسراء : 29 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عصام{[21594]} بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضَمْرَة ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " . ولم يخرجوه{[21595]} .

وقال [ الإمام ]{[21596]} أحمد أيضًا : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سُكَين{[21597]} بن عبد العزيز العَبْدي ، حدثنا إبراهيم الهَجَري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " . ولم يخرجوه{[21598]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون{[21599]} حدثنا سعيد{[21600]} بن حكيم ، عن مسلم بن حبيب ، عن بلال - يعني العبسي - عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن القصد في الغنى ، وأحسن القصد في الفقر ، وأحسن القصد في العبادة " ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه{[21601]} .

وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف .

وقال غيره : السرف النفقة في معصية الله .

وقال الحسن البصري : ليس النفقة في سبيل الله سرفا [ والله أعلم ]{[21602]} .


[21594]:- في أ : "عاصم".
[21595]:- المسند (5/194).
[21596]:- زيادة من أ.
[21597]:- في أ : "مسكين".
[21598]:- المسند (1/447) وقال الهيثمي في المجمع (10/252) "في إسناده إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف".
[21599]:- في ف ، أ : "إبراهيم بن محمد بن محمد بن ميمون".
[21600]:- في ، أ : "سعد".
[21601]:- مسند البزار برقم (3604) وقال الهيثمي في المجمع (10/252) : "رواه البزار عن سعيد بن حكيم عن مسلم بن حبيب ، ومسلم هذا لم أجد من ذكره إلا ابن حبان في ترجمة سعيد الراوي عنه ، وبقية رجاله ثقات".
[21602]:- زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

اختلف المفسرون في هذه الآية في الإنفاق ، فعبارة أكثرهم أن الذي لا يسرف هو المنفق في الطاعة ، وإن أسرف ، والمسرف هو المنفق في المعصية وإن قل إنفاقه ، وأن المقتر هو الذي يمنع حقاً عليه ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد ، وقال عون بن عبد الله بن عتبة «الإسراف » أن تنفق مال غيرك . ونحو هذه الأقوال التي هي غير مرتبطة بلفظ الآية ، وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والتقتير فيه نظر ، والوجه أن يقال أن النفقة في المعصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره ، وكذلك التعدي على مال الغير ، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك ، وإنما التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات وفي المباحات ، فأدب الشرع فيها أن لا يفرط الإنسان حتى يضيع حقاً آخر أو عيالاً ونحو هذا وأن لا يضيق أيضاً ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح ، والحسن في ذلك هو القوام ، أي المعتدل ، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال ، وخير الأمور أوسطها ، ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يتصدق بجميع ماله لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين ومنع غيره من ذلك ، ونعم ما قال إبراهيم النخعي وهو الذي لا يجيع ولا يعري ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف ، وقال يزيد بن حبيب هم الذين لا يلبسون الثياب للجمال ولا يأكلون طعاماً للذة ، وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته فاطمة : ما نفقتك ؟ فقال له عمر الحسنة بين السيئتين ، ثم تلا الآية ، وقال عمر بن الخطاب كفى بالمرء سرفاً ألا يشتهي شيئاً إلا اشتراه فأكله ، وفي سنن ابن ماجه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من السرف أن تأكل ما اشتهيته ) ، وقال الشاعر :

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم{[8877]}

وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم «يُقتِروا » بضم الياء وكسر التاء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ومجاهد وحفص عن عاصم{[8878]} «يَقتِروا » بفتح الياء وكسر التاء ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الياء ، وهي قراءة الحسن والأعمش وطلحة وعاصم بخلاف ، وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح التاء{[8879]} ، وقرأ أبو عمرو «والناس قَواماً » بفتح القاف ، أي معتدلاً{[8880]} ، وقرأ حسان بن عبد الرحمن بكسر القاف أي مبلغاً وسداداً وملاك حال ، و { قواماً } خبر { كان } واسمها مقدر أي الإنفاق ، وجوز الفراء أن يكون اسمها قوله { بين ذلك } .


[8877]:الغلو: الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه، قال في اللسان: "وخير الأمور أوساطها، و... كلا طرفي قصد الأمور ذميم" فاستشهد بالنصف الثاني على أن المراد الاعتدال في الأمور، وعدم مجاوزة الحد في الطرفين بالإفراط أو التفريط، وعلى هذا فالاقتصاد هو الاعتدال، أو هو ما بين الإسراف والتقتير، قال تعالى: {ومنهم مقتصد} أي بين الظالم والسابق، وقال: {واقصد في مشيك} وفي الحديث الشريف: (ما عال مقتصد ولا يعيل)، أي: ما افتقر من لا يسرف في الإنفاق ولا يقتر.
[8878]:الثابت في المصحف أن قراءة حفص عن عاصم [يقتروا] بفتح الياء وضم التاء، لا بكسرها، ونظن أن الخطأ من الناسخ.
[8879]:إذا راجعنا ذلك على ما في كتب القراءات نجد اختلافات متعددة، وحتى نأمن العثار والخطأ ننقل لك هنا ما أثبته الحافظ ابن الجزري في كتابه (النشر في القراءات العشر)، قال: "قرأ المدنيان وابن عامر بضم الياء وكسر التاء، وقرأ ابن كثير والبصريان بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم التاء". هذا والحجة لمن فتح الياء وكسر التاء أنه أخذه من قتر يقتر، مثل : ضرب يضرب، ومن ضم التاء أخذه من قتر يقتر، مثل: خرج يخرج، والحجة لمن ضم الياء وكسر التاء أنه أخذه من أقتر يقتر، وهما لغتان معناهما: قلة الإنفاق، قاله ابن خالويه في كتاب :"الحجة".
[8880]:في بعض النسخ: اعتدالا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

أفاد قوله { إذا أنفقوا } أن الإنفاق من خصالهم فكأنه قال : والذين ينفقون وإذا أنفقوا إلخ . وأريد بالإنفاق هنا الإنفاق غير الواجب وذلك إنفاق المرء على أهل بيته وأصحابه لأن الإنفاق الواجب لا يذمّ الإسراف فيه ، والإنفاق الحرام لا يُحمد مطلقاً بَلْهَ أن يذم الإقتار فيه على أن في قوله { إذا أنفقوا } إشعاراً بأنهم اختاروا أن ينفقوا ولم يكن واجباً عليهم .

والإسراف : تجاوز الحد الذي يقتضيه الإنفاق بحسب حال المنفق وحال المنفَق عليه . وتقدم معنى الإسراف في قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً } في سورة النساء ( 6 ) ، وقوله : { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } في سورة الأنعام ( 141 ) .

والإقتار عكسه ، وكان أهل الجاهلية يسرفون في النفقة في اللذات ويُغْلُون السباء في الخمر ويتممون الأيسار في الميسر . وأقوالهم في ذلك كثيرة في أشعارهم وهي في معلّقة طرفة وفي معلقة لبيد وفي ميمية النابغة ، ويفتخرون بإتلاف المال ليتحدث العظماء عنهم بذلك ، قال الشاعر مادحاً :

مفيد ومتلاف إذا ما أتيتُه *** تهلَّل واهتز اهتزاز المهند

وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { ولا يُقتِروا } بضم التحتية وكسر الفوقية من الإقْتار وهو مرادف التقتير . وقرأه ابن كثير وأبو عَمرو ويعقوب بفتح التحتية وكسر الفوقية من قتر من باب ضَرَب وهو لغة . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف بفتح التحتية وضم الفوقية من فعل قتر من باب نصَر .

والإقتار والقَتْر : الإجحاف والنقص مما تسعه الثروة ويقتضيه حال المنفَق عليه . وكان أهل الجاهلية يُقْتِرون على المساكين والضعفاء لأنهم لا يسمعون ثناء العظماء في ذلك . وقد تقدم ذلك عند قوله : { كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموتُ إن ترك خيراً الوصية للوالدَيْن } [ البقرة : 180 ] .

والإشارة في قوله : { بين ذلك } إلى ما تقدم بتأويل المذكور ، أي الإسراف والإِقتار .

والقَوام بفتح القاف : العدل والقصد بين الطرفين .

والمعنى : أنهم يضعون النفقات مواضعها الصالحة كما أمرهم الله فيدوم إنفاقهم وقد رغب الإسلام في العمل الذي يدوم عليه صاحبه ، وليسير نظام الجماعة على كفاية دون تعريضه للتعطيل فإن الإسراف من شأنه استنفاد المال فلا يدوم الإنفاق ، وأما الإقتار فمن شأنه إمساكُ المال فيُحرم من يستأهله .

وقوله : { بين ذلك } خبرُ { كَان } و { قَواماً } حال موكِّدة لمعنى { بين ذلك } . وفيها إشعار بمدح ما بين ذلك بأنه الصواب الذي لا عِوَج فيه . ويجوز أن يكون { قَواما } خبر { كان } و { بين ذلك } ظرفا متعلقاً به . وقد جرت الآية على مراعاة الأحوال الغالبة في إنفاق الناس . قال القرطبي : والقَوام في كل واحد بحسب عياله وحاله ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق يتصدق بجميع ماله ومنع غيره من ذلك .