مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا } لم يجاوزوا الحد في النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لم ينفقوا في المعاصي فالإسراف مجاوزة القدر . وسمع رجل رجلاً يقول : لا خير في الإسراف . فقال : لا إسراف في الخير ، وقال عليه الصلاة والسلام " من منع حقاً فقد قتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف " { ولم يقتروا } بضم التاء كوفي ، وبضم الياء وكسر التاء مدني وشامي ، وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصري . والقتر والإقتار والتقتير والتضييق الذي هو نقيض الإسراف { وكان } إنفاقهم { بين ذلك } أي الإسراف والإقتار { قواماً } أي عدلاً بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي { بين ذلك قواماً } [ الإسراء : 29 ] خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير ، وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } الآية . وسأل عبد الملك بن مروان عمر بن عبد العزيز عن نفقته حين زوجه ابنته فقال : الحسنة بين السيئتين . فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية . وقيل : أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثيابهم للجمال والزينة ولكن لسد الجوعة وستر العورة ودفع الحر والقر . وقال عمر رضي الله عنه : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا أكله .