فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

ثم وصفهم سبحانه بالتوسط في الإنفاق فقال :

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا } على عيالهم { لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } بفتح التحتية وضم الفوقية من قتر يقتر كقعد يقعد وقرئ بفتح التحتية وكسر التاء ، وهي لغة معروفة حسنة ، وقرئ بضم التحتية وكسر الفوقية ، قال أبو عبيدة : يقال قتر الرجل على عياله ، يقتر ويقتر قترا ، وأقتر يقتر إقتارا . ومعنى الجميع التضييف في الإنفاق . قال النحاس : من أحسن ما قيل في معنى الآية إن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ، ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ، ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام ، وقال إبراهيم النخعي : هو الذي لا يجيع ، ولا يعرى ، ولا ينفق نفقة تقول الناس قد أسرف .

وقال يزيد بن حبيب : أولئك أصحاب محمد ، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوبا للجمال ، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ، ويقويهم على عبادة الله ، ومن اللباس ما يستر عوراتهم ويقيهم الحر والبرد . وقال أبو عبيدة : لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا ، كقوله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } . قال ابن عباس : هم المؤمنون لا يسرفون فينفقوا في معصية الله ولا يقترون فيمنعوا حقوق الله قال عمر بن الخطاب : كفى سرفا أن لا يشتهي شيئا إلا اشتراه وأكله . وقيل الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق حتى يدخل في حد التبذير ، والإقتار التقصير عما لا بد منه .

{ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } بفتح القاف وقرئ بكسرها فقيل هما بمعنى ، وقيل القوام بالكسر ما يدوم عليه الشيء ، ويستقر بالفتح العدل والاستقامة ، قاله ثعلب ، قيل بالفتح بين الشيئين ، وبالكسر ما يقال به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص . وقيل بالكسر السداد ، والمبلغ واسم كان مقدر فيها ، وخبرها قواما قاله الفراء ، أي كان إنفاقهم قصدا وسطا بين الإسراف والإقتار ، وحسنة بين السيئتين ، وروي عن الفراء قول آخر ، وهو ان اسم كان { بين ذلك } وتبنى { بين } على الفتح لأنها من الظروف المفتوحة وقال النحاس : ما أدري ما وجه هذا لأن { بين } إذا كانت في موضع رفع رفعت .