قوله : { والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } .
قرأ الكوفيون{[36641]} بفتح الياء وضم التاء من يَقْتُرُوا ، وابن كثير وأبو عمرو بالفتح والكسر ، ونافع وابن عامر بالضم والكسر من أقتر{[36642]} ، وعليه { وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ }{[36643]} [ البقرة : 236 ] وأنكر أبو حاتم أقْتَرَ ، وقال : لا يناسب هنا ، فإن أَقْتَرَ بمعنى افتقر ، ومنه { وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ }{[36644]} [ البقرة : 236 ] وردَّ عليه بأن الأصمعي وغيره حكوا أَقْتَرَ بمعنى ضَيَّقَ{[36645]} . وقرأ العلاء بن سيابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء{[36646]} مشددة{[36647]} من قَتَّر بمعنى ضيَّق ، وكلها لغات{[36648]} ، والقَتْر والإقْتَار والتَّقْتير ( التضييق الذي هو نقيض ){[36649]} الإسراف ، والإسراف مجاوزة الحد في النفقة{[36650]} .
المراد من الآية القصد بين الغلو والتقصير ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط }{[36651]} [ الإسراء : 29 ] . وسأل ابن الورد{[36652]} بعض العلماء ما البناء الذي لا سَرَف فيه ؟ قال : ما سترك عن الشمس ، وأكنَّك من المطر . وقال له ما الطعام الذي لا سرف فيه ؟ فقال : ما سد الجوعة ، وقال له في اللباس : ما ستر عورتك وأدفأك من البرد{[36653]} .
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : الإسراف في النفقة في معصية الله تعالى ، والإقتار : منع حق الله تعالى{[36654]} .
قال مجاهد : لو أنفق الرجل مثل ( أبي ) {[36655]} قبيس ذهباً في طاعة الله لم يكن مسرفاً{[36656]} . وأنشدوا :
ذِهَابَ المَالِ في حَمْدٍ وَأَجْرٍ *** ذِهَابٌ لاَ يُقَالُ لَهُ ذِهَابُ{[36657]}
وقيل : السرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع وإن كان من حلال ، لأنه يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء{[36658]} .
قوله{[36659]} : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } في اسم «كان » وجهان :
أشهرهما : أنه ضمير يعود على الإنفاق المفهوم من قوله «أَنْفَقُوا » . أي : وكان إِنْفَاقهم مستوياً قصداً لا إسرافاً ولا تقتيراً ، وفي خبرها وجهان :
أحدهما : هو «قَوَاماً » و «بَيْنَ ذَلِكَ » إما معمول له ، وإما ل «كان » عند من يرى إعمالها في الظرف ، وإما المحذوف على أنه حال من «قَوَاماً » ، ويجوز أن يكون { بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } ، خبرين ل «كان » عند من يرى ذلك ، وهم الجمهور خلافاً لابن درستويه{[36660]} .
والثاني : أن الخبر «بَيْنَ ذَلِكَ » و «قَوَاماً » حال مؤكدة{[36661]} .
والثاني من الوجهين الأولين : أن يكون اسمها «بَيْنَ ذَلِكَ » وبُنِيَ لإضافته إلى غير متمكنٍ ، و «قَوَاماً » خبرها قاله الفراء{[36662]} . قال الزمخشري : وهو من جهة الإعراب لا بأس به ( ولكنه من جهة المعنى ){[36663]} ليس بقوي ؛ لأن ما بين الإسراف والتقتير قَوامٌ لا محالة فليس في الخبر الذي هو مُعْتَمَدُ الفائدة فائدةٌ{[36664]} .
قال شهاب الدين : وهو يشبه قولك : كان سيِّد الجارية مالكها{[36665]} . قال ثعلب : القوام - بالفتح - ( العدل والاستقامة ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر{[36666]} .
وقال الزمخشري : القوام ) {[36667]} العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ، وبالكسر ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص{[36668]} . وقرأ حسان بن عبد الرحمن{[36669]} «قِوَاماً » يكسر القاف{[36670]} ، فقيل : هما بمعنى{[36671]} ، وقيل : بالكسر اسم ما يقام به الشيء{[36672]} وقيل : بمعنى سداداً وملاكاً{[36673]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.