فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

ثم وصفهم سبحانه بالتوسط في الإنفاق ، فقال : { والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } قرأ حمزة والكسائي والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب { يقتروا } بفتح التحتية ، وضم الفوقية ، من قتر يقتر ، كقعد يقعد ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح التحتية ، وكسر التاء الفوقية ، وهي لغة معروفة حسنة ، وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية وكسر الفوقية . قال أبو عبيدة : يقال : قتر الرجل على عياله يقتر ، ويقتر قتراً ، وأقتر يقتر إقتاراً ، ومعنى الجميع : التضييق في الإنفاق . قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى الآية : أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ، ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ، ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام . وقال إبراهيم النخعي : هو الذي لا يجيع ولا يعرى ، ولا ينفق نفقة ، يقول الناس قد أسرف . وقال يزيد بن أبي حبيب : أولئك أصحاب محمد كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال ، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع ، ويقوّيهم على عبادة الله ، ومن اللباس ما يستر عوراتهم ، ويقيهم الحرّ والبرد . وقال أبو عبيدة : لم يزيدوا على المعروف ، ولم يبخلوا كقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط } [ الإسراء : 29 ] قرأ حسان بن عبد الرحمن : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما } بكسر القاف ، وقرأ الباقون بفتحها ، فقيل هما بمعنى ، وقيل القوام بالكسر : ما يدوم عليه الشيء ويستقرّ ، وبالفتح : العدل والإستقامة ، قاله ثعلب . وقيل بالفتح : العدل بين الشيئين ، وبالكسر : ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص . وقيل بالكسر : السداد والمبلغ ، واسم كان مقدّر فيها : أي كان إنفاقهم بين ذلك قواماً وخبرها { قواماً } ، قاله الفراء . وروي عن الفراء قول آخر ، وهو أن اسم كان بين ذلك ، وتبنى بين على الفتح ؛ لأنها من الظروف المفتوحة . وقال النحاس : ما أدري ما وجه هذا ، لأن بين إذا كانت في موضع رفع رفعت .

/خ67