الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

قوله : { وَلَمْ يَقْتُرُواْ } : قرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء وابن كثير وأبو عمرٍو بالفتحِ والكسرِ . ونافع وابن عامر بالضم والكسر مِنْ أَقْتَرَ . وعليه

{ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] . وأنكر أبو حاتم/ " أقتر " وقال : " لا يُناسِب هنا فإنَّ أَقْتَرَ بمعنى افتقر ، ومنه { وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } . ورُدَّ عليه : بأن الأصمعيَّ وغيرَه حَكَوْا أَقْتَرَ بمعنى ضَيَّق .

وقرأ العلاء بن سيابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسرِ التاء المشددةِ في قَتَّر بمعنى ضَيَّق .

قوله : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } في اسم كان وجهان ، أشهرهما : أنه ضميرٌ يعودُ على الإِنفاقِ المفهومِ مِنْ قوله : " أَنْفَقُوا " أي : وكان إنفاقُهم مُسْتوياً قَصْداً لا إسرافاً ولا تَقْتيراً . وفي خبرِها وجهان . أحدُهما : هو قَواماً و " بينَ ذلك " : إمَّا معمولٌ له ، وإمَّا ل " كان " عند مَنْ يَرَى إعمالَها في الظرف ، وإمَّا لمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " قَواما " . ويجوزُ أَنْ يكونَ " بين ذلك قواماً " خبرَيْن ل " كان " عند مَنْ يَرَى ذلك ، وهم الجمهور خلافاً لابن دُرُسْتَوَيْه . الثاني : أن الخبرَ " بين ذلك " و " قَواماً " حالٌ مؤكدةٌ .

والثاني : من الوجهين الأَوَّلين : أَنْ يكونَ اسمُها " بين ذلك " وبُني لإضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍ ، و " قواماً " خبرُها . قاله الفراء . قال الزمخشري : " وهو من جهةِ الإِعرابِ لا بأسَ به ، ولكنه من جهةِ المعنى ليس بقويٍ ، لأنَّ ما بينَ الإِسْرافِ والتَّقْتيرِ قَوامٌ لا مَحالةَ ، فليس في الخبر الذي هو معتمدُ الفائدةِ فائدةٌ " . قلت : هو يُشْبِهُ قولَك " كان سيدُ الجارية مالكَها " .

وقرأ حسان بن عبد الرحمن " قِواما " بالكسرِ فقيل : هما بمعنىً . وقيل : بالكسرِ اسمُ ما يُقام به الشيءُ . وقيل : بمعنى سَداداً ومِلاكاً .