فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} (67)

{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما67 } .

وربنا المعبود يرضى عن المعتدلين في حالهم مع أموالهم ، فلا هم يبسطون أيديهم فوق المألوف حتى يصيروا مبذرين ، ولا يقبضون أكفهم فيشحون ويبخلون ويمنعون ، ولقد حذر القرآن الكريم من الشططين كليهما ، وذلك قوله : )ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا( {[2617]} ، إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وهو أجود الناس ، وأجود بالخير من الريح المرسلة ، أثر عنه صلوات الله عليه وسلامه أنه كان يوصي بالنفقة المتوازنة ، وتناول الأقوات بحساب ، وفيما روى عنه : " كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه " .

قال النحاس : . . . من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار ، ومن أنفق في طاعة الله تعالى فهو القوام ، وقال ابن عباس : من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف ، ومن أنفق درهما في غير حقه فهو سرف ، ومن منع من حق عليه فقد قتر ، وقال عون بن عبد الله : الإسراف أن تنفق مال غيرك ، قال ابن عطية : وهذا ونحوه غير مرتبط بالآية ، والوجه أن يقال : إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره ، وكذلك التعدي على مال الغير ، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك ، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات ، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا ، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح{[2618]} .


[2617]:سورة الإسراء. الآية 29.
[2618]:أورد هذه النقول صاحب[الجامع لأحكام القرآن]ج 13 ص 72-73.